السويداء
من التركيع والتجويع إلى التدويل
كتب : داود أبو شقرة
مؤشرات كثيرة ومتسارعة تدل على أن قضية السويداء دخلت فعليا في عملية التدويل، وخرجت من يد “الحكومة الانتقالية” في دمشق بشكل نهائى على الرغم من محاولات الحكومة التستر وراء إصبعها من خلال إشراكها في الاجتماعات الإقليمية والدولية، لهذا الغرض، والأهم من ذلك لإلزامها بتنفيذ الإملاءات التي تتخذها الاجتماعات الإقليمية والدولية.
ومذ أعلن توماس باراك مندوب واشنطن إلى سورية وقف إطلاق النار في السويداء بالتوافق مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو و”رئيس السلطة الانتقالية في دمشق” أحمد الشرع، وتحت إشراف الولايات المتحدة، بات واضحا أن حكومة دمشق باتت منفذة، وليست لاعبا مفاوضاً.
ويأتي اجتماع عمان اليوم المخصص ابحث قضية السويداء والحصار المفروض عليها، والتي تنفذها عشاردئر بدوية منذ اشهر، ومازال حتى ساعة إصدار بيان عمان، تحت بصر القوات الأمنية والعسكرية السورية، والتي اشتبكت بالأمس مع متمردي العشائر وسقط خمسة قتلى من قوات الأمن لاسترداد قافلة إغاثة نهبها متمردو العشائر قرب بصرى الشام، واستمرار إغلاق أوتوستراد دمشق-السويداء بسبب تمرد قريتي المطلة وبراقةالبدويتين وقطع الطريق، في ظل عجز عمومي واضح أو تعاوني معهم لخلق أزمة اقتصادية غير مسبوقة على محافظة كاملة كما يهدد بجماعة حقيقية، تحت بصر العالم، وصمت حكومي إعلامي مطبق. يأتي اجتماع عمان ليكرس التدخل الدولي لما يبدو أنه عجز من حكومة دمشق الانتقالية، عن فتح المعابر وتأمين ويارب العيش الكريم لمحافظة السويداء وليس تأمين إغاثة لا تكفي احتياجات ٣٪ من السكان، فضلا عن الاحتياجات الدولية والطبية ومعالجة الأمراض الدائمة كالسرطان وغيره.
إن الضمانات الأميركية–التركية لم تنجح فيما يبدو، لذلك جاء اجتماع عمان بين تائب رئيس الوزراء وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، ووزير الخارجية في الحكومة الانتقالية أسعد الشيباني، والسفير الأميركي لدى تركيا توماس باراك، ليضع اسيا عملية لفك الحصار، وتأمين سبل الحياة، وإعادة إعمار القرى المدنرة، وتعويض السكان عن الخسائر، والأهم قبل ذلك تقديم مرتكبي المجازر إلى القضاء.
بمعنى أوضح: الحكومة الانتقالية ستفعل كل ما يطلب منها بمفردها، كأداة تنفيذية، وإن أشار البيان إلى تشكيل لجنة ثلاثية أردنية-أميركية-سورية لمتابعة الأمور .
أمام ذلك بات واضحاً أن ملف السويداء صار بامتياز طبع بطابع التدويل ولم يعد قضية داخلية، هذا إذا اغفلنا دور إسرائيل التي فرضت شروطها سلفا فيما يخص نزع كافة أنواع الأسلحة من حوران والجولان تماما، وبقاء السلاح المتوسط والثقيلة بيد أبناء السويداء الذين أتاح لهم الاتفاق السابق بتشكيل جيش خاص بهم، وشرطة محلية. فضلا عن شرط ترحيل البدو من كل داخل الحدود الإدارية لمحافظة السويداء.
إذن بات واضحاً أن الشروط الإسرائيلية لم تطرح على بساط البحث حتى. في الوقت الذي فتح بيان عمان المجال امام المراقبة الدولية والمشاركة بلجان التحقيق والإغاثة والإعمار، وكل أشكال التوثيق والمراقبة الدولية.
ما صدر اليوم ليس بياناً سياسياً اعتيادياً، بل وثيقة انتداب معاصرة تُدخل السويداء تحت إشراف مباشر لقوى خارجية. هذه العبارات مكانها بيانات الأمم المتحدة في النزاعات الدولية، لا في ملفات داخلية، وهذا وحده يكشف أن السيادة أُفرغت من مضمونها.
ما يؤكد ذلك أن دولتين أصدرا مع دمشق بياناً يقول:
– “محافظة السويداء بكل مجتمعاتها المحلية جزء أصيل من سورية، وأن حقوق أهاليها محفوظة في مسيرة إعادة بناء سوريا الجديدة”.
– “تكثيف عمل المؤسسات الخدمية لإعادة الخدمات وبدء إعادة تأهيل المناطق المتضررة”.
– “الاستجابة لطلب الحكومة السورية تشكيل مجموعة عمل ثلاثية (سورية–أردنية–أميركية) لتثبيت وقف إطلاق النار.
هذا ليس بيان سيادة، بل بيان وصاية دولية مكتملة الأركان.
الحكومة الانتقالية أوقعت نفسها في خطأ بدخولها السويداء، وسمحت بفزعات العشائر البدوية، ثم أتبعت ذلك بشكر رسمي للعشائر وتصوير بعض الجرائم… لتتحول القضية من خلاف محلي إلى ملف دولي أمام المحاكم الدولية، وتحت عين الجار الأزرق الذي يراقب كل شيء.
اليوم، لم يعد السؤال عن تفاصيل ما حدث بل عن من الذي أدخل السويداء إلى هذا المصير، ومن الذي حمّل الدولة تبعات تدويلها؟
هذه قراءة أولية لبيان اجتماع الاردن، والذي أزعم أنه لن ينفذ بكامله، ولا بأجزاء كبيرة منه، لكنه كوب التدخل الدولي في المنطقة بشكل مبرر، والتوقيع الحكومة الانتقالية، وبالتالي أفلت مقود عربة الملف من يد دمشق لتتدخل فيه واشنطن وتل أبيب وعمان على التوالي.
ومن سيتحمل أعباء كل ذلك سياسيا وعسكريا واقتصاديا هي الحكومة الانتقالية في دمشق، وأما قضية التعويض على المواطنين المتضررين، فذلك ملف شائك ويستغرق الكثير من التفاصيل، الذي يبدأ من حرق المعامل وتفكيكها وهدم البيوت وحرقها، وقطع الأشجار وتسحيب كابلات النحاس وردم الٱبار، وقد لا ينسى الوزات المسروقة على صهريج الماء المسروق في غزوة تذكر بغزوات الجاهلية العربية الأولى قبل الإسلام.






































