هناك تعيش
شامخًا
مستهزئًا من الموت
عنيدًا
هناك تودّع أحبّتك
ليلا، لأنّك
غالبًا
سترتقي في الفجر
شهيدًا
تعانق السّماء
وتمسح دموع أمّك
قبل الرّحيل
سعيدًا
ليس في المكان
ذاكرة
لتتذكّر كيف كنت
البارحة
وكيف عشتَ يومًا
جديدًا
الوقت
يحاصرك
والموت يباغتك،
فيه تأكل جوعًا
وتتدفّأ بردًا
وتمطر القنابل نارًا
وحديدًا
أُسابق السّاعة
والسّاعةُ تلاحقني
في جنون
أُسرع خطايَ
لأسقي فراشاتي
وأُطعم سمكاتي
فأنا أُحبّ
البحر والطّيور
أوقفني الوجع
ليخبرني
أنّ الحياة هناك
فارقت المكان
وماتت الفراشات
وأُغرقت الأسماك
من زمان
لا أُصدّق ما تقولون
أنا كنت هناك
منذ قليل
ذهبت لأبحث عن
خبز أمي
وقلت لها: سأعود
بعد حين
لا أعلم لماذا تكذبون
ففراشتي ليست هدفًا
للغزاة
وسمكتي مسالمة، وأمّي
حنون
أيّها العنيد، لا تذهب
فقد مرّ من هناك
الغدر
وحلّق الموت اللّعين
أتركوني، فقد تركتُ المكان
لأجل المكان
لأجل الطّعام
لأجل الصّغار
بحثت عن حائط
أو ما يشبه دارًا أو سكنًا
عانق الموت
وانتهى به الحال
إلى حطام
إنّه كان في مكان
ما هنا
فأنا لم أعد أعرف
الطّريق إلى حضن أمّي
غابت الحياة عن
الحياة
وتحوّل الطّريق إلى
أجداث
ماتت علامات
المرور
كلّ شيء تحوّل إلى
سراب
بحثت عن جدار
بين كومات الدّمار
بحثت عن سريري
بحثت عن طاولة الطّعام
بحثت عن مطبخ
كانت أمّي فيه… ولا تزل
هنا تبكي كومتك
وتقف فوق رفات أحبّتك
وتتحدّث مع أطياف
وفراشات
كم هو غريب
أن تكون بين الحياة
واللّا حياة
أن تعيش برزخًا
قبل الممات
أن تكون يتيمًا
وجسد أمّك
تحت الرّكام
تنظر إلى السّماء
تتساءل: متى اللّقاء يا أمّي؟
متّى اللقاء، وبيني وبينك
الأحجار؟
متى اللّقاء لأهديكِ
طعامًا
أو أهديكِ كفن الفراق؟
متى أقبّلك
قبلة الوداع الأخير؟
أمّاه، أمّاه، لم أودّعك
قبل الرّحيل
يد الغدر
أحرقت قلب
ابنك الصّغير
أمّاه، لأجلك
نستمرّ حتّى
ننتصر نصرًا مبينًا
وداعًا أمّهات
فلسطين
وداعًا فراشات
فلسطين
وداعًا شهداء
فلسطين
محمد هادي عون
فراشات فلسطين






































