المِردي
كنتُ وما زلتُ نحيلاً بما يكفي،
أعشقُ جلوسَ الأرضِ،
لا يليقُ بي الجلوسُ على الكرسي.
لديّ أربعُ مكتباتٍ،
لا كتاباً عندي.
منذُ الصِّغرِ،
مهووسٌ بضفائرَ جدّتي.
جاوزتُ الخمسينَ،
وما زال كما هو سريرُ جدّي.
جدّي:
لم يخدمْ يوماً في الجيشِ،
لكن لا أعرفُ:
مَن هذا الجندي؟
جدَي:
يحبُّ المذياعَ كثيراً،
ولم أسمعْهُ يوماً يغنّي.
جدّتي:
تمنعنا من شُربِ شايِ اللّيلِ،
وتملأُ جيوبَنا كثيراً بتمرِ “الزّهدي”.
أبكي بإفراطٍ في مأتمِ قريتنا،
كأنّ الميتَ جدّي.
وفي الأفراحِ، لا أجيدُ الرّقصَ،
أرقبُ بعيداً، أصفِّقُ بيدي.
أحلفُ كثيراً “بالعبّاس”،
وفي زندي تعلِّقُ جدّتي عِلقاً “للمهدي”.
مرّةً،
ركبتُ قطارَ البصرةِ الصّاعِدِ للعاصمة،
عُدتُ والنّدوبُ تملأُ خدّي.
جدّي ليس هنا.
لا صندوقَ “الزّهدي”.
وجدتُ عنكبوتاً سوداءَ،
تنسجُ بيوتاً من نفّاشِ “البردي”.
علّتنا – نحن أهلَ الجنوب –
لا ننسى بسرعة،
بدليل:
ما زلتُ أحفظُ كم عُقدةٍ طولُ “المِردي”!
جدّتي تقول:
كنتُ ألظمُ الخيطَ على ضوءِ القمر،
لا أُبصرُ الآن…
يا تُرى:
هل كان يكذبُ الطّبيبُ
حين أخبرَنا أنّ نظرَها ستّةٌ على ستّة؟
تقول:
لم آخذْ حبّةَ دواءٍ واحدةً طيلةَ عمري،
لا أعرفُ شيئاً عن السّكّرِ والضّغط،
هل كانت تكذبُ أيضاً؟
قالوا: ماتتْ بالسّكتةِ.
جدّي يقول:
لم ألبسْ الخوذةَ يوماً،
لم أشاركْ حرباً قطّ،
هل كان يكذبُ كذلك؟
فكيف فقدَ أبناءَهُ السّتّةَ؟
يقول أيضاً:
لم نكنْ نزرعُ الوردَ في بساتيننا،
فهل يكذبُ؟
لم أشاهدْه يوماً يدخلُ البيتَ
إلا وكانت بين كفّيهِ الوردةُ…
لأبينا الأوّل “آدم” قولٌ آخر:
ولدنا عُراةً… عُراةً جدّاً،
جزاها اللهُ خيراً بعد:
كلُّ موسمٍ قصاصٌ،
تهدينا أثوابَها عمّتكم “النّخلة”.
ظل
أمّنا “حوّاء” قالت:
لم أنجبْ سوى ولدين،
أحدُهما قتلَ الآخرَ عن غِلّ.
أعجبُ لأمّهاتِكم:
كيف لواحدةٍ أن تنجبَ ستّة…؟
حيدر غراس






































