:تحليل نقدي لقصيدة الجنوب للشاعر العراقي عبدالسادة البصري
الصديق الايسري / المغرب
الطفل / الفتى / الشاب،،،
الذي وسمته شمس الجنوب
سمرةً،،
وأخذ من طين الجنوب
طيبةً
ومن هوائه ومائه وداعةً
الآن وبعد ستّين خريفاً ونيف
مازال يبحث عن،،
قطعة أرض يمتلكها في الجنوب
ليورثها أولاده الذين
اخذوا منه ،،
السمرة، والطيبة، والوداعة ايضاً
هل يحصل عليها ياترى ،،
أم يظل جنوبياً بالاسم فقط ؟؟؟
تتميز القصيدة ببساطتها وعمقها، حيث تعالج قضية اجتماعية
وإنسانية مؤثرة من خلال لغة سهلة ومباشرة. يمكن تحليلها نقديًا من عدة زوايا:
**البنية والمضمون**
تتألف القصيدة من مقطعين رئيسيين يربطهما تسلسل زمني:
* **الماضي:** تبدأ القصيدة بوصف للماضي، حيث يتم تقديم “الطفل / الفتى / الشاب” الذي نشأ في الجنوب. يُستخدم هنا **الرمزية** بشكل جميل، فـ “شمس الجنوب” تمنحه **السمرة**، و”طين الجنوب” يمنحه **الطيبة**، و”هواء الجنوب ومائه” يمنحانه **الوداعة**. هذه الصفات ليست مجرد خصائص جسدية أو نفسية، بل هي جزء من هويته المتجذرة في أرضه.
* **الحاضر والمستقبل:** ينتقل الشاعر فجأة إلى الحاضر، “الآن وبعد ستّين خريفاً ونيف”، وهو ما يثير شعورًا بالحسرة. يكشف هذا الانتقال عن **الصراع الأساسي** في القصيدة: على الرغم من مرور العمر، مازال الرجل يبحث عن أبسط حقوقه، وهي “قطعة أرض يمتلكها في الجنوب”. هذا البحث لا يقتصر على مجرد الامتلاك، بل يتعداه إلى **الرغبة في توريث الهوية والانتماء** لأولاده الذين ورثوا منه نفس الصفات الجنوبية.
**الأسلوب الفني واللغة**
* **لغة بسيطة ومباشرة:** استخدم الشاعر لغة خالية من التعقيد، مما يجعل القصيدة سهلة الفهم وقريبة من القارئ. هذا الأسلوب يعزز من قوة الرسالة التي يريد إيصالها.
* **التكرار:** يتكرر ذكر كلمة **”الجنوب”** وذكر الصفات المكتسبة منه (السمرة، الطيبة، الوداعة) في المقطعين. هذا التكرار ليس مجرد حشو، بل هو تأكيد على **استمرارية الهوية** وتوارثها عبر الأجيال، وعلى **الأزمة التي لم تُحل** على الرغم من مرور الزمن.
* **السؤال المفتوح:** تنتهي القصيدة بسؤال مفتوح “هل يحصل عليها ياترى، أم يظل جنوبياً بالاسم فقط؟”. هذا السؤال يحمل في طياته **نقدًا لاذعًا للواقع**، ويترك القارئ في حالة من التأمل والتساؤل. إنه يختصر الأزمة كلها: هل يمكن للإنسان أن يحافظ على هويته وانتمائه إذا فقد صلته المادية بأرضه؟
—
**الرسائل والمغزى النقدي**
تقدم القصيدة نقدًا لعدة جوانب اجتماعية:
* **الصراع على الهوية والانتماء:** تُظهر القصيدة كيف أن الهوية لا تُكتسب فقط بالولادة، بل تتطلب **ارتباطًا ماديًا بالأرض**. عندما يفقد الإنسان هذا الارتباط، تصبح هويته مهددة بالزوال، وتتحول إلى مجرد اسم أو ذكرى.
* **قضية الملكية:** تتناول القصيدة بشكل غير مباشر **قضية الفقر وغياب العدالة الاجتماعية** في بعض الأحيان، حيث يجد الإنسان الذي أفنى عمره في مكان ما صعوبة في امتلاك قطعة من ترابه.
* **استمرارية الأجيال:** تُبرز القصيدة أهمية **التوريث** ليس فقط للممتلكات، بل للهوية والثقافة. بحث الرجل عن قطعة أرض لأولاده هو في الحقيقة بحث عن طريقة لضمان استمرار هويتهم الجنوبية.
باختصار، هذه القصيدة ليست مجرد حكاية فردية، بل هي **قصة جماعية** تعبر عن أزمة الانتماء والهوية في مواجهة الواقع الصعب. إنها دعوة للتأمل في قيمة الأرض ودورها في تشكيل الإنسان واستمرارية وجوده.






































