نُقْطَةُ تَوَازُنٍ فِي الفَوْضَى

نُقْطَةُ تَوَازُنٍ فِي الفَوْضَى
كُلُّ مَا حَوْلِي يَتَسَاقَطُ،
كَأَنَّنَا نَسِيرُ فِي مَجَرَّةٍ خَالِيَةٍ مِنَ الجَاذِبِيَّة،
وَأَنَا… نُقْطَةٌ تَتَأَرْجَحُ فِي الهَوَاءِ،
لَا تَسْقُطُ… وَلَا تَصْعَد،
لَكِنَّهَا تَرَى كُلَّ شَيْءٍ يَتَشَظَّى كَجَسَدٍ فِي مِرْآةٍ مَكْسُورَة
أَشْيَاؤُكَ الَّتِي تَرَكْتَهَا تَحْتَ سَرِيرِ العُذْرِ،
مِفْتَاحُكَ، وَرَائِحَةُ قَهْوَتِكَ، وَاسْمِي…
كُلُّهَا تَعِيشُ مَعِي كَضُيُوفٍ تَأَخَّرُوا عَنِ الرَّحِيلِ
كَيْفَ يَتِمُّ التَّوَازُنُ وَالأَشْيَاءُ لَا تَكُفُّ عَنِ الانْقِلَابِ؟
المَاءُ يُقَلِّدُ النَّارَ فِي تَفَلُّتِهِ،
وَالرِّيحُ تَخْشَى خُرُوجَهَا مِنَ الفَصْلِ،
وَالأَرْضُ… تَتَظَاهَرُ بِالثَّبَاتِ
فِي حِينٍ أَنَّهَا تَدُورُ عَلَى جُرْحٍ قَدِيم
قَلْبِي يُحَاوِلُ رَسْمَ مِحْوَرٍ لِكَوْنٍ مُتَشَظٍّ،
يَزِنُ فِكْرَتِي كَمَا تُوزَنُ قُطْرَاتُ النَّدَى
عَلَى جُفُونِ الشَّكِّ
تَعَلَّمْتُ أَنْ أَمِيلَ دُونَ أَنْ أَنْهَار،
وَأَنْ أُحِبَّ دُونَ أَنْ أَتَأَذَّى،
وَأَنْ أُقَبِّلَ الوَجَعَ كَأَنَّهُ زَائِرٌ نَبِيل
أَصْنَعُ نُقْطَةَ ضَوْءٍ فِي خَرَابِ الذَّاكِرَة،
وَأَتَّكِئُ عَلَى ظِلِّي فِي انْعِدَامِ الظِّلَال
حَتَّى لَا أَسْقُطَ مَرَّتَيْنِ:
فِي الفَوْضَى وَفِي نَفْسِي
مَا زِلْتُ أَلْبَسُ أَيَّامِي بِعَجَل،
كَأَنَّهَا لَا تَلِيقُ بِي،
وَأَخْلَعُهَا عِنْدَ المَسَاءِ…
لِأَتَنَفَّسَ دُونَ أَنْ يَشْهَدَ أَحَدٌ ذَلِكَ
كُلُّ نَفَسٍ يَصِيرُ كَتِفًا جَدِيدًا،
أَتَّكِئُ عَلَيْهِ لأَكْتُب،
وَكُلُّ جُمْلَةٍ تُشْبِهُ حَبْلَ نَجَاةٍ
فِي بَحْرٍ لَا يَنْوِي الهُدُوء
أَنَا الآنَ فِي نُقْطَةٍ لَا تَقَعُ فِي أَيِّ خَرِيطَة،
أَصْغُرُ فِي العُيُونِ،
وَأَكْبَرُ فِي صَوْتِي…
وَأَتَنَفَّسُ كَمَنْ تَعَلَّمَ الهُوَاءَ مِنَ الدَّاخِل
فِي هَذِهِ النُّقْطَة،
لَا شَيْءَ يَسْقُطُ،
وَلَا شَيْءَ يَصْعَد،
كُلُّ شَيْءٍ يُمَارِسُ ذَاتَهُ كَمَا هُوَ
وَأَنَا… أَكْتُبُنِي
كَمَنْ وَصَلَ نَفْسَهُ أَخِيرًا
بَعْدَ رِحْلَةِ فَوْضَى طَوِيلَة. لطيفة الشابي