العلاقات العراقيّة – السّوريّة: تاريخ من التّقاطعات والتّحدّيات وآفاق المستقبل” ..
تقرير : سلمى صوفاناتي
_ “علاقة مصيريّة تتحدّى الزّمن ”
في قلب الشّرق الأوسط، حيث تتشابك الجغرافيا مع التّاريخ، تبرز “العلاقات العراقيّة-السّوريّة” كأحد أعمق الرّوابط بين دول المنطقة. هذه العلاقة الّتي تتجاوز “الدّبلوماسية الرسمية” لتمتد إلى أواصر الدّم والثّقافة والمصير المشترك، ظلّت على مرّ العقود “صامدة أمام أعاصير السّياسة والتّقلّبات الإقليميّة “.
اليوم، وفي ظل تحولات جيوسياسية كبرى، تعود هذه العلاقة إلى الواجهة ك “حجر زاوية” في معادلة الاستقرار الإقليمي. من خلال هذا التقرير، نستعرض مع الدكتور إبراهيم الدهش “مسار هذه العلاقة ” من الماضي العاصف إلى الحاضر الواعد، مروراً بالتحديات التي ما زالت تقف حجر عثرة أمام تعاون أشمل بين البلدين.
_”العلاقات العراقية – السورية: جذور تاريخية وتطورات راهنة”
“أكّد”الباحث السياسي الدكتور إبراهيم الدهش ممثل رئيسِ إتحادِ القبائل في الوطنِ العربيّ أن “العلاقات بين العراق وسوريا تُعدّ من أقدم وأهم العلاقات الثنائية في الشرق الأوسط”، مشيراً إلى عوامل مشتركة كالحدود والتاريخ والجغرافيا والثقافة والدين، والتي تحوّلت في السنوات الأخيرة إلى “صلة رحم وعلاقات أسرية”.
“ولفت” إلى أن هذه العلاقات شهدت “تقلبات بين التوتر والتقارب”، خاصة بعد عام 2011، بسبب الأزمة السورية ومكافحة الإرهاب، لكنها تشهد اليوم “تفاعلات جديدة” بفعل المت
غيرات الإقليمية.
“الخلفيّةُ التّاريخيّةُ: منَ التّنافسِ إلى التّنسيقِ”
أوضحَ الدّهشُ أنّ العلاقاتِ مرّتْ بمراحلَ حاسمةٍ:
في منتصفِ القرنِ العشرينَ: حُكمَتُ البلدانُ بحزبٍ واحدٍ، لكنَّ الانقسامَ بينَ جناحَيْ بغدادَ ودمشقَ أدّى إلى تنافسٍ سياسيٍّ خلالَ السّبعينيّاتِ والثّمانينيّاتِ.
في حقبةِ النّظامِ السّابقِ في العراقِ: شهدتْ توتّرًا شديدًا بسببِ دعمِ سوريا لإيرانَ خلالَ الحربِ العراقيّةِ – الإيرانيّةِ (١٩٨٠ – ١٩٨٨)، واصطفافِها ضدَّ العراقِ أثناءَ غزو الكويتِ (١٩٩٠).
بعدَ ٢٠٠٣: تحسّنتْ العلاقاتُ تدريجيًّا، رغمَ بقاءِ بعضِ الشّكوكِ حولَ دورِ سوريا كـ”ممرٍّ للمقاتلينَ الأجانبِ” إلى العراقِ.
“العلاقاتُ في ظلِّ الأزمةِ السّوريّةِ: منَ الحيادِ إلى التّنسيقِ الأمنيِّ”
أشارَ إلى أنّ العراقَ تبنّى موقفًا محايدًا رسميًّا في بدايةِ الأزمةِ السّوريّةِ، لكنّه تحوّلَ لاحقًا إلى دعمِ استقرارِ سوريا كـ”ضرورةٍ للأمنِ القوميِّ العراقيِّ”، خاصّةً بعدَ صعودِ داعشَ.
وأبرزَ مظاهرَ هذا التّحوّلِ:
إنشاءُ مركزِ التّنسيقِ الرّباعيِّ (العراقُ، سوريا، إيرانُ، روسيا) عامَ ٢٠١٥ لمحاربةِ الإرهابِ.
التّنسيقُ الاستخباراتيُّ لضبطِ الحدودِ ومنعِ تسلّلِ المُسلّحينَ.
فتحُ معبرِ القائمِ – البوكمالِ (٢٠١٩)، الّذي أصبحَ شريانًا حيويًّا للتّجارةِ والرّبطِ بينَ إيرانَ وسوريا ولبنانَ عبرَ العراقِ.
“التّعاونُ الاقتصاديُّ والتّحدّياتُ المُشتركةُ”
نبّهَ إلى أنّ التّجارةَ بينَ البلدينِ ما زالتْ محدودةً بسببِ الأوضاعِ الأمنيّةِ والاقتصاديّةِ، لكنّ هناكَ جهودًا لتعزيزِها، مثل:
زيادةُ الاستيرادِ منَ المنتجاتِ الزّراعيّةِ السّوريّةِ.
مباحثاتٌ لإحياءِ خطِّ نقلِ النّفطِ من كركوكَ إلى بانياسَ (لم يُفعّلْ بعدُ).
كما حدّدَ التّحدّياتِ المُشتركةَ، أبرزُها:
الإرهابُ والحدودُ الطّويلةُ (أكثرُ من ٦٠٠ كم).
الوجودُ العسكريُّ الأجنبيُّ (أمريكيٌّ، تُركيٌّ، إيرانيٌّ).
العقوباتُ الغربيّةُ على سوريا وتأثيرُها على فرصِ التّعاونِ.
أزمةُ اللاجئينَ السّوريّينَ في إقليمِ كردستانَ العراقِ.
“العلاقاتُ الشّعبيّةُ والعشائريّةُ: روابطُ لا تنفصمُ”
أكّدَ أنّ الرّوابطَ الاجتماعيّةَ بينَ الشّعبينِ أزليّةٌ، مدعّمًا ذلكَ بـ:
التّشابهِ الكبيرِ في اللّغةِ والعاداتِ والدّينِ (أغلبيّةٌ سُنّيّةٌ وشيعيّةٌ، وأقليّاتٌ مُشتركةٌ مثلَ الأكرادِ والإيزيديّينَ).
صِلةِ القَرابةِ بينَ العائلاتِ في المناطقِ الحدوديّةِ (مثلَ ديرِ الزّورِ والأنبارِ).
دورِ العشائرِ في حلِّ الخلافاتِ وتعزيزِ التّقاربِ، ممّا ساهمَ في تخفيفِ حدّةِ التّوتّراتِ السّياسيّةِ.
وختمَ بالتّأكيدِ على أنّ الشّعبَ العراقيَّ وقفَ معَ سوريا في محنِها، مثلَ زلزالِ ٢٠٢٣ والحصارِ، كما وقفَ الشّعبُ السّوريُّ معَ العراقِ في أزماتِه، مُعربًا عن أملهِ في تعميمِ الأمنِ والاستقرارِ في البلدينِ.
الخاتمةُ: “نحوَ مستقبلٍ مُشتركٍ”
في ختامِ هذا التّقريرِ، يبقى السّؤالُ: هل تستطيعُ هذهِ العلاقةُ المُتجذّرةُ تاريخيًّا أن تتجاوزَ تعقيداتِ الحاضرِ لتُشكّلَ ركيزةً للاستقرارِ الإقليميِّ؟
الإجابةُ تبدو واضحةً في كلماتِ الدّكتورِ الدّهشِ: “العلاقاتُ العراقيّةُ – السّوريّةُ ليستْ خيارًا سياسيًّا عابرًا، بل هي قدرٌ جغرافيٌّ وتاريخيٌّ”. رغمَ كلِّ التّحدّياتِ، فإنَّ إرادةَ الشّعبينِ و”حكمةَ العشائرِ” وتزايدَ المصالحِ الاقتصاديّةِ المُشتركةِ تُشكّلُ ضماناتٍ كافيةً لاستمرارِ هذا التّقاربِ.
اليومَ، بينما تُعيدُ البلدانِ كتابةَ فصلٍ جديدٍ من علاقتهما، يمكنُ القولُ إنّ “دمشقَ وبغدادَ ليستا عاصمتينِ متجاورتينِ فحسبْ، بل هما وجهانِ لتاريخٍ واحدٍ.. ومستقبلٍ واحدٍ”.
“حينَ يتحدّثُ التّاريخُ، يصمتُ السّياسيّونَ.. والعراقُ وسوريا شاهدانِ على هذهِ الحقيقةِ.”






































