مَشهَدٌ مَسرَحيٌّ: حُرِّيَّةُ القَلَمِ
بقلم: سلمى صوفاناتي
المَكانُ: ساحَةُ “الأغورا” في أَثينا.
الزَّمانُ: العَصرُ الكلاسيكيُّ.
الشَّخصيّاتُ:
_سُقراطُ: فيلسوفُ أَثينا، الحَكيمُ المُتَّهَمُ بإفسادِ الشَّبابِ.
_غلوكونُ: شابٌّ نَبيلٌ، شَقيقُ أَفلاطونَ، مُتَحمّسٌ للفِكرِ لكِنَّهُ حائِرٌ.
أديمانتوسُ: أَخٌ آخَرُ لأفلاطونَ، مُتَأمّلٌ قَليلُ الكَلامِ.
_ كريتونُ: صَديقُ سُقراطَ، صَلبُ الرَّأيِ، واقِعيٌّ.
(المَشهَدُ يَبدَأُ… ضَوءُ الشَّمسِ يَسقُطُ على تِمثالِ أَثينا. سُقراطُ جالِسٌ على حَجَرٍ، مُحاطٌ بِتلاميذِهِ.)
_ غلوكونُ (يَتَأمَّلُ ريشَةً كِتابيَّةً):
يا سُقراطُ، أَخبِرني… لِماذا تُعَلِّقونَ هذِهِ الأَهمِّيَةَ على القَلَمِ؟ أَهُوَ صَنَمٌ جَديدٌ نَعبُدُهُ؟ أَم وَهمٌ نُضَلُّ بِهِ أَنفُسَنا؟ أَلَيسَ مُجرَّدَ أَداةٍ بَينَ أَيدينا؟
_سُقراطُ (بِهُدوءِ الحَكيمِ) :
وَهَلِ العَينُ مُجرَّدُ أَداةٍ يا غلوكونُ؟ أَم أَنَّها النَّافِذَةُ الَّتي تَرى بِها النَّفسُ النُّورَ؟ القَلَمُ، يا بُنَيَّ، هُوَ عَينُ الرُّوحِ في ظُلمَةِ الجَهلِ.
_ أديمانتوسُ (بِصَوتٍ خافِتٍ) :
لَكِنَّ كَثيرًا مِمَّن كَتَبوا، لَم يُضيئوا شَيئًا، بَل زَرَعوا الفِتَنَ، وَلَبَّسوا الحَقَّ بِالباطِلِ. فَهَل كُلُّ مَن حَمَلَ القَلَمَ، صارَ حَكيمًا؟
_سُقراطُ :(يَنهَضُ بِبُطءٍ، يَتَحدَّثُ وَهو يَمشِي بِخِفَّةٍ)
وَهَل كُلُّ مَن حَمَلَ السَّيفَ فارِسٌ؟ إِنَّما القَلَمُ، مِثلُ الفَضيلَةِ، لا يُنفعُ إِلَّا إِذا كانَتِ النَّفسُ مُستَقيمَةً. فَإِن كَتَبَت يَدٌ مُرتَعِشَةٌ، نَزَفَت كَذِبًا، وَإِن كَتَبَت يَدٌ عادِلَةٌ، خَطَّت عَدلًا لا يَموتُ.
_غلوكونُ (بِتَحَدٍّ شَبَابيٍّ)
وَما العَمَلُ إِذا كانَتِ المَدينَةُ تَمنَعُنا مِنَ الكِتابَةِ؟ وَتَقولُ: “اُكتُم ما في صَدرِكَ، وَدَعِ الحُكَماءَ وَحدَهُم يَتَكَلَّمونَ”؟
_ سُقراطُ :(يَتَوقَّفُ، يَنظُرُ في عَينَيهِ مُباشَرَةً)
إِذا خافَتِ المَدينَةُ مِنَ الكَلِمَةِ، فَهِيَ مَدينَةٌ تَخافُ الحَقِيقَةَ. وَهَلِ المَدينَةُ الفاضِلَةُ تَقومُ على الخَوفِ؟ لا يا غلوكونُ، بَل على الجَدلِ، على الحِوارِ، على أَن يَسمَعَ العَقلُ صَوتَ نَفسِهِ.
_ كريتونُ (يَقطِبُ حاجِبَيهِ) :
لَكِن يا سُقراطُ، في زَمنِ الحَربِ، وَفي زَمنِ الفَوضى، قَد تُفسِدُ الكَلِمَةُ النُّفوسَ، وَتُشَوِّشُ القُلوبَ، فَهَل نَسمَحُ لَها أَن تَطيرَ بِلا قُيودٍ؟
_سُقراطُ (بِصَوتٍ حازِمٍ) :
الحُرِّيَةُ، يا كريتونُ، لا تُقاسُ بِزَمنِ الحَربِ وَلا السِّلمِ، بَل تُقاسُ بِصِدقِ النِّيَّةِ. مَن يَمنَعُ الكَلِمَةَ خَشيَةَ الفَوضى، كَمَن يَمنَعُ النُّورَ خَشيَةَ أَن يَكشِفَ الخَرابَ.
وَالقَلَمُ، حينَ يُمنَعُ، لا يَصمُتُ… بَل يَتَحوَّلُ إِلى نارٍ تَحتَ الرَّمادِ.
_ غلوكونُ :
إِذَن فَلتُكتَبِ الكَلِماتُ، حَتّى لَو حاصَرَها الحَرَسُ، حَتّى لَو مَزَّقوها؟
_سُقراطُ:
نَعَم، بَل لِتُكتَب أَكثَرَ كُلَّما صَمَتَ الآخَرونَ. فَحينَ تَخفُتُ الأَصواتُ، تَصيرُ الكَلِمَةُ الحُرَّةُ نِداءً لِلوُجودِ نَفسِهِ.
أَتَذكُرونَ يا أَصدِقائي، ما قالَهُ الحُكَماءُ؟
“مَن كَتَمَ فِكرَهُ، خانَ عَقلَهُ.”
_أديمانتوسُ : (يَرفَعُ نَظرَهُ إِلى السَّماءِ)
وَهَل يُصلِحُ القَلَمُ ما أَفسَدَتهُ الأَلسِنَةُ؟
_سُقراطُ : (بِابتِسامَةٍ حَزينَةٍ)
إِن لَم يُصلِحهُ، فَلَن يُصلِحهُ شَيءٌ.
_ (تُسدَلُ السِّتارَةُ على سُقراطَ واقِفًا، يَحمِلُ ريشَةً في يَدِهِ، كَأَنَّها مِشعَلٌ صَغيرٌ، يُضِيءُ لَيلَ المَدينَةِ.)





































