فرنسا تُقْدِمُ على تحوُّلٍ استراتيجيٍّ في مواقفِ الغربِ: اعترافٌ مرتقبٌ بالدّولةِ الفلسطينيّةِ يفتحُ جبهةً دبلوماسيّةً جديدةً ..
تقرير : سلمى صوفاناتي
في خطوةٍ تعبّرُ عن تحوُّلٍ نوعيٍّ في المشهدِ الجيوسياسيِّ الأوروبيِّ، أعلنَ الرّئيسُ الفرنسيُّ إيمانويلُ ماكرونَ اعتزامَ بلادهِ الاعترافَ رسميًّا بدولةِ فلسطينَ خلالَ الدّورةِ المقبلةِ للجمعيّةِ العامّةِ للأممِ المتّحدةِ. هذا الإعلانُ، وإن بدا في ظاهرهِ تعبيرًا عن التّضامنِ الإنسانيِّ، يحملُ بين طيّاتهِ أبعادًا استراتيجيّةً قد تعيدُ صياغةَ موقعِ فرنسا داخلَ المنظومةِ الدّوليّةِ.
إنّ ماكرونَ، بهذهِ المبادرةِ، لا يتحدّى فقط الإجماعَ الغربيَّ التّقليديَّ المتحفّظَ إزاءَ الاعترافِ الكاملِ بالدّولةِ الفلسطينيّةِ، بل يضعُ بلادهُ في مقدّمةِ الدّولِ الّتي تتجرّأُ على كسرِ جدارِ “الرّمزيّةِ العقيمةِ” الّذي طالما اكتفت به القوى الكبرى عند تناولِ الصّراعِ الفلسطينيِّ–الإسرائيليِّ.
فرنسا ستكونُ بذلك أوّلَ دولةٍ من مجموعةِ السّبعِ تُقْدِمُ على هذهِ الخطوةِ الحسّاسةِ، وهو ما يُفَسَّرُ على أنّها رسالةٌ مزدوجةٌ: أحدُها إلى الدّاخلِ الأوروبيِّ، مفادُها أنّ باريسَ لا تزالُ قادرةً على لعبِ دورِ “صانعِ القرارِ” لا تابعِ للسّياساتِ، والأخرى إلى الشّرقِ الأوسطِ، تؤكّدُ فيها أنّ التّوازنَ الدّبلوماسيَّ لا يجبُ أن يبقى رهينةَ إراداتِ الحليفِ الأمريكيِّ أو النّفوذِ الإسرائيليِّ.
لكن، في المقابلِ، يُدركُ المراقبونَ أنّ هذا الاعترافَ، على أهمّيتهِ الرّمزيةِ، لن يُفضي مباشرةً إلى عضويّةٍ كاملةٍ لفلسطينَ في الأممِ المتّحدةِ، في ظلِّ الفيتو الأمريكيِّ المحتملِ داخلَ مجلسِ الأمنِ. كما أنّه قد يعرّضُ العلاقاتِ الفرنسيّةَ–الإسرائيليّةَ لتوتّرٍ متصاعدٍ، خصوصًا بعد التّحذيراتِ الإسرائيليّةِ من “مخاطرِ الاعترافِ الأحاديِّ الجانبِ”.
وعليهِ، فإنّ دلالةَ هذا الموقفِ تتجاوزُ الحساباتِ البراغماتيّةَ الآنيّةَ. ففرنسا اليومَ تقولُ بوضوحٍ أنّها ليست مجرّدَ موقّعٍ على سياساتِ الماضي، بل طامحةٌ إلى صياغةِ روايةٍ دبلوماسيّةٍ جديدةٍ، أكثرَ جرأةً واستقلالًا… روايةٌ قد تفتحُ بابًا، ولو رمزيًّا، نحو عدالةٍ طال غيابُها في ملفٍّ لم يعرفْ سوى التّأجيلِ والتّجريدِ.






































