بقلم : سلمى صوفاناتي
– ” مدينةُ الظّلالِ واللّاعنوان ” ..
في شرقٍ يبكي الغبارُ على عظامِ الأجدادِ، ويُغَنِّي النّخيلُ أناشيدَ العفنِ، تطلَعُ من بينِ شظايا الزّمنِ مدينةٌ بلا اسمٍ. مدينةٌ وُلِدَتْ من رحمِ الخيانةِ، وترعرعتْ في أحضانِ الأكاذيبِ، كحلمٍ مسمومٍ تسرَّبَ إلى اليقظةِ، أو كذكرى تحوَّلتْ إلى شظيّةٍ في خاصرةِ التّاريخِ.
ليست دمشقَ، ولا بابلَ، ولا أيَّ مدينةٍ عرفناها، بل هي طيفٌ لمدينةٍ التهمها ماضيها، ثمَّ انفجرتْ في وجهِ مستقبلِها قبلَ أنْ تعرفَ شكلَ وجهِها.
– “حكايةُ الدّمارِ الّذي لا ينتهي ” ..
يسردُ المسلسلُ حكايةَ مدينةٍ خياليّةٍ تتهاوى تحتَ وطأةِ الطّغاةِ، كأنَّها جسدٌ يُنْهشُ بلا رحمةٍ. “نهارُ بنُ عبَّادٍ”، الحاكمُ الدّاهيةُ، يمسكُ بزمامِ السّلطةِ كما يمسكُ الجلّادُ بخنجرِهِ، بينما “شمسُ الملوكِ”، كضوءٍ يتسلّلُ من بينِ شقوقِ القهرِ، تُذَكِّرُهُ بأنَّ الإنسانيّةَ قد تكونُ سقفَ سقوطِهِ.
أما “شيراكُ”، فهو ظلُّ الموتِ الّذي لا يفارقُ الأرضَ، و”السّيّدةُ البيضاءُ” تبقى كالحلمِ الّذي يرفرفُ فوقَ الضّبابِ، بلا معنى، وبكلِّ المعاني.
– الموتُ هنا ليس حدثاً عابراً، بل هو النّبضُ الخفيُّ الّذي يخترقُ كلَّ نفسٍ، وكلَّ رغيفِ خبزٍ، وكلَّ خطوةً على أرضٍ تترنّحُ بينَ رصاصةٍ وقصيدةٍ.
– الشّخصيّاتُ: “مرايا الأمّةِ المُحطَّمةِ” ..
الشّخصيّاتُ هنا ليست مجرّدَ أدواتٍ سرديةٍ، بل هي شظايا روحِ الشّرقِ. “نهارُ بنُ عبَّادٍ” ليس طاغيةً وحسبُ، بل هو سِفْرُ الاستبدادِ المفتوحُ منذُ فجرِ التّاريخِ. هو الحاكمُ الّذي يولدُ من جديدٍ كلَّما سقطَ، كالسّرطانِ الّذي لا يموتُ.
-أما “شمسُ الملوكِ”، فهي ليست مجرّدَ ابنةِ الحاكمِ، بل هي الصّرخةُ الّتي لا تموتُ في وجهِ القيدِ، هي الفطرةُ الّتي ترفضُ أنْ تختنقَ تحتَ عباءةِ الشّرعيّةِ المزيّفةِ.
– اللّغةُ: ” سِياطٌ من نارٍ وفلسفةٍ ”
يكتبُ “هاني السّعدي” نصَّهُ كما يُكْتَبُ الوصيَّةُ الأخيرةُ لأمّةٍ على شفا الانهيارِ. الكلماتُ هنا ليست حروفاً، بل سيوفٌ تُغْرَزُ في خاصرةِ الضّميرِ. الجملُ تتشكّلُ كالزّلازلِ: هادرةً، مدمِّرةً، صادقةً إلى حدِّ الألمِ.
كلُّ عبارةٍ هي كالوشمٍ على جسدِ التّاريخِ، يُخَطُّ بالدّمِ والحكمةِ.
– الفلسفةُ: ” هل يُنقِذُنا الخرابُ؟” ..
هذا العملُ ليس دراما تاريخيّةً فحسب، بل هو متاهةٌ فلسفيّةٌ نحتتها يدُ القدرِ بسكينِ المأساةِ. الخيانةُ هنا ليست خيانةَ الأشخاصِ، بل خيانةُ المعنى نفسه. والموتُ ليس نهايةَ الجسدِ، بل هو انهيارُ كلِّ رمزٍ قديمٍ، كلِّ يقينٍ مزيّفٍ.
“الموتُ القادمُ إلى الشّرقِ” ليس مجرّدَ حدثٍ، بل هو السّؤالُ الأبديُّ: هل يمكنُ أنْ نُبعَثَ من تحتِ الرّكامِ دونَ أنْ نُحْرَقَ بنارِ الفقدِ؟ هل يجبُ أنْ تتداعى كلُّ الهياكلِ كي نجدَ أنفسَنا؟
– “الخاتمةُ: بينَ الحلمِ والجمرِ” ..
هذا المسلسلُ ليس عملاً تلفزيونيّاً، بل هو مرثيّةٌ للشرقِ، كتبتها يدُ القدرِ بأحرفٍ من نارِ. هو مرآةٌ تُرينا وجهَنا المشوَّهَ، لكنّها أيضاً تُرينا البريقَ الأخيرَ للأملِ في أعينِ منْ بَقِيَ منهمْ يحملُ قلباً ينبضُ تحتَ الرّمادِ.
– هل سننهضُ؟
السّؤالُ معلّقٌ بينَ السّماءِ والأرضِ، كدمعةٍ لم تسقطْ بعدُ.







































