إستقراء نصّ الكتابة لل إيمان الشباني بعنوان ردّ بإشارة …
بقلم الأديب … حميد بركي
ردّ بإشارة يغني عن القلق والإثارة
هي الأبواب موصدة في وجه طارقها، إنّها اختبار خفيّ للنّفوس ومرآة صادقة تعكس جوهر الإنسان حين يدقّها الطّارق فلا يُختبر بها الواقف خلفها بقدر ما تُختبر بها مروءته وجرأته هي لحظة تزن معدن القلب وتكشف عن سعة الرّوح فمن تردّده أن يفتح قد أغلق في وجهه أبوابا أعمق من باب البيت ،أغلق باب الشّهامة ،باب الإيثار ،باب الرّحمة ،باب الوعي الحقيقي بالوجود.
ما أصغر الإنسان حين يعجز عن استقبال من جاءه طارقا وما أضيق دنياه حين يحتسب كلّ يد ممدودة عبئا عليه إنّ الطّارق، أو أتى َ، وقد يكون شخصا جاء يستجدي حاجة، هو رمز لكلّ ما فيك من شهامة معطّلة وقيم خامدة وصوت دقّاته، صوت ضميرك الّذي يناديك من خلف الجدران فمن تردّد في فتح الباب قد أغلق قلبه قبل أن يغلق عينيه
الباب الّذي تتركه موصدا خوفا أو بخلا هو الباب الًذي قد تحتاج أن يُفتح لك يوما حين تصبح أنت الطّارق ولا تجد سعة ولا رحابة ولا من يمنحك لحظة دفء.
المروءة لا تحتاج إلى ضوء النًهار لتُمارس ولا إلى شهود ولا إلى ألقاب المروءة ،موقف داخلي مع النّفس قبل أن تكون موقفا مع الآخرين.
الكرم الحقيقي أن تفتح الباب، ولو كنت خائفا أن تفتح وأنت تعلم أن خلفه ربّما لا تجد شيئا سوى درس جديد في الحياة.
أن تفتح لأنّ الأبواب ما وُجدت إلا لتُفتح وما الأيدي إلا امتداد لقلوب إن أغلقت الأبواب خنقت الأرواح داخلها.
ليس الأمر فيما سيأخذه الطّارق منك، وإنّما هي حالات فيما ستأخذه أنت من لحظة العطاء، إذ كلّ باب مغلق يُضاعف وحشتك، وكلّ باب مفتوح يمنحك فسحة في ذاتك.
الّذي يتردّد في العطاء يمضي عمره يجمع أشياء زائلة ويخسر في المقابل أجمل ما يمكن أن يملكه. الإنسان ألا وهو القدرة على أن يكون نورا في ظلام غيره، أن يكون حضورا في غياب الآخرين، أن يكون ملاذا حين تتشابه الطّرق وتُغلق النوافذ.
إفتح الباب لا لأنّ الطّارق يستحقّ بل لأنّك تستحقّ أن تعيش إنسانيتك كاملة، لا تشوّهها بتردّد ولا تشلّها بالخوف. فالّذي لا يملك جرأة أن يفتح الباب لن يملك يوما جرأة أن يفتح قلبه للحياة ذاتها. وما أصعب أن يعيش المرء خلف أبوابه المغلقة أسيرا لما جمع، ناسيا أنّ الحياة كلّها هبة وأنّ أجمل ما فيها يُعطى لا يُخزّن ولا يُختزن.
للاإيمان الشباني
…….
تأمّلت النّصّ متأنّيا بعد أن استشرقني ما يكنّه التلّاحم اللّفظي كأنّه مرآة داخليّة تتّجه نحو القلب لا نحو العين، حيث يصبح الباب رمزا كاشفا لا حاجزا فاصلا، إنّه صوت الضّمير حين يُقرع من الخارج ليوقظ ما في الدّاخل، لا حديث هنا عن الطّارق بقدر ما هو حديث عن الواقف خلف الباب، عن مروءته وشهامته وجرأته على أن يكون إنسانا في لحظة اختبار عابرة لكنّها فاضحة، الكاتبة تسحب المعنى من واقعة بسيطة إلى فضاء فلسفيّ واسع يجعل من الفعل الأخلاقي انعكاسا للهويّة الحقيقيّة، ففتح الباب يتحوّل إلى موقف كونيّ فيه تتجلّى الرّحمة والكرم والتّعاطف وسعة الصّدر، وكلّ امتناع هو انسحاب من ساحة الإنسانيّة نحو شرنقة الخوف والانغلاق
إنّ الطّارق الّذي يأتي محتاجا لا يُقاس بما يطلب بل بما يوقظ فينا من شعور دفين، وجوده فرصة لنعرف أنفسنا لا لنقيّمه، والباب الّذي يُغلق في وجهه ليس خشبا ومفصلا بل بابا من داخلنا نغلقه على كلّ قيمة كنّا نظنّ أنّنا نؤمن بها، البخل لا يكون فقط في المال بل في الحضور والاحتواء والإنصات، والقسوة ليست دائما بالصّوت العالي، فقد تكون أحيانا بالصّمت المطبق خلف الجدران، النّصّ يفضح هذه الحالات دون أن يدينها بشكل مباشر بل يجعلها تنكشف في ضوء أخلاقيّ داخلي،
المروءة هنا ليست مفهوما تراثيّا جامدا بل ديناميّة روحيّة تتجلّى في أدقّ المواقف، لا تحتاج ضوءا ولا شهودا، لأنّها تنبع من جوهر الذّات حين تختار الكرم على التّردّد، والنّصّ يجعل من لحظة فتح الباب لحظة تأسيس لما يمكن أن نسمّيه الوعي الأخلاقي الحي، كلّ باب نُغلقه يعمّق وحشتنا، وكلّ باب نفتحُه يمنحنا فسحة في ذاتنا، إذ الكرم شروط التّوازن النّفسيّ، وكلّ من يتردّد في العطاء يخسر جزءا من إنسانيته دون أن يشعر
في قلب النّصّ دعوة هادئة لكنّها عميقة للانفتاح، للبساطة، للعطاء المجرّد من الحساب، لأنّ الحياة كما تراها الكاتبة ليست ما نملكه بل ما نهبه، وأجمل ما في الإنسان قدرته على أن يكون نورا في عتمة الآخرين، لا لأجلهم بل لأجل نفسه، لأنّ من يعيش خلف أبوابه المغلقة لا يدرك كم من الأبواب ستُغلق حين يكون هو الطّارق، هذا النّصّ تأمّل إنسانيّ عالي النّبرة، يصنع من فعل بسيط لحظة كشف وجودي، ويمنح القارئ فرصة أن يراجع كيف يعيش قيمه لا كيف يتكلّم عنها
كتب … حميد بركي







































