سمراء النّيل
في أعماق النّيل، حيث تتماوج مياه الحياة وتنثر أسرار التّاريخ بين ضفافه، هناك سمراء النّيل، تلك الفتاة الّتي لا يقتصر جمالها على ملامح وجهها، بل تتجاوز ذلك لتشمل الرّوح والنّفوس. هي تلك الّتي تذوب في أحضان الطّبيعة، وتتناغم مع لون الماء وثراء الأرض، وتصبح جزءًا من هذا التّراث العتيق الّذي يستمرّ في الوجود مهما مرّ الزّمن.
سمراء النّيل ليست مجرّد صورة جميلة أو ملامح لامعة تحت الشّّمس.
هي القصيدة الّتي تكتبها الأرض في كلّ فجر جديد، وهي الألحان الّتي تنساب مع النّيل، كما لو أنّ الرّياح تعزف لحنًا خاصًّا في كلّ لحظة. هي الفتاة الّتي تشرق عيونها بكلّ حكاية قديمة وحلم جديد، وتحمل في قلبها تاريخًا طويلاً من العادات والتّقاليد الّتي تلتقي في شرايينها مع كلّ جزء من أرض النّوبة العريقة.
في عيونها، ترى النّيل بكلّ عظمته، وتجد انعكاس الشّمس في مياه النّهر كما لو كان قلبها هو الّذي يضيء العالم. عيون سمراء النّيل ليست مجرد نظرات، بل هي مرآة لتاريخ طويل من الصّمود والنّضال، وأيضًا من الحلم الدّائم بمستقبل أفضل. هي تحمل في عيونها أسرار المكان، الحكايات الّتي تعود لآلاف السّنين، والنّضال المستمرً من أجل الحفاظ على الهويّة.
شعرها الأسود، كأنّما هو الليل نفسه، ينساب بين الرّياح ويعكس ضوء القمر المائل على سطح النّهر. وكلّ خُصلة في شعرها تروي قصّة، وكلّ حركة فيها هي جزء من الجمال الّذي يحيط بها. شعر سمراء النّيل ليس مجرد شعر، بل هو رمزيّة للوحدة بين الإنسان وأرضه، بين الماضي والحاضر، بين الطّبيعة والإنسان.
أقدامها تمشي على الأرض النّوبية بخفّة، وتلمس كلّ حجر، وكلّ شجرة، وكلّ نفس يخرج من تلك الأرض. هي روح تلك الأرض، لا يستطيع الزّمن أن يطفئها أو أن يمحوها من الذّاكرة. سمراء النّيل لا تنتمي إلى الزّمان أو المكان، بل هي الخلود في ذاته، هي قلب النّيل الّذي ينبض بالحياة منذ الأزل.
وفي حديثها، تكمن اللغة النّوبية، تلك اللغة القديمة الّتي لا يعرفها إلّا من يملك شغفًا بالتّراث. كلماتها تحمل طعم النّيل، ورائحة الأرض، وأصوات الطّيور الّتي تهاجر عبر الأفق. حديث سمراء النّيل يحيي فينا ذكرى الماضي ويبعث فينا الأمل لمستقبل مشرق. هي تُحّدثنا عن الحرّيّة، عن الجمال الّذي لا يُقاس، عن تلك اللّحظات الّتي تتسرّب بين الأيام وتصبح حكايات ترويها الأجيال القادمة.
سمراء النّيل ليست مجرّد رمز للجمال الخارجي، بل هي تجسيد للحياة، للفرح والحزن معًا، للسّلام الّذي يأتي بعد العاصفة. هي الحكاية الّتي لا تنتهي، والّتي تحملها مياه النّيل في كلّ شريان.
محمد عبدالعزيز سيد أحمد ـ السودان.






































