كنتُ هنا…
حيثُ يغسلُ المطرُ وجعي،
وحيثُ يحملُ الماءُ ملامحَ الغيومِ إلى قلبي،
أرسمُ وجهي على سطحٍ هارب،
وأكتبُ أسماءهم على زجاجِ النّافذة
لعلَّ الرّيحَ تعيدُها مُحمّلةً بندى الصّباح.
كنتُ هنا…
حيثُ القمرُ فانوسُ جدّتي،
تحملهُ خطواتُ الأجداد في دروبِ الليل،
وصوتُ أبي يشعلُ خبزَ الطّفولةِ
برائحةِ نعناعٍ عتيق،
فيتدفأ المساءُ على إيقاعِ أمّي
وهي تُهدهدُ التّعبَ بأغنيةٍ
تخبئُ العمرَ بين تجاعيدِ كفِّها.
هناك…
على حافّةِ الأفق،
يقطعُ الحنينُ حطبَ الغيابِ بدمعٍ صامت،
يُشعلُهُ كلّما خمدت نجومُ السّقف،
وأيُّ نهرٍ هذا الزّمنُ؟
يجري ولا يلتفتُ لأكوابنا الفارغة،
ولا لقبلاتٍ تبحثُ عن شفاهٍ
أضاعها المدى في متاهاتِ الطّريق.
كنتُ هنا…
ألمسُ وجوهًا تصعدُ إلى السّماء،
أسألها: “أين طريقُ الله؟”
فتبتسمُ السّنابلُ،
وتُهزُّ أمّي مسبحتَها،
تُطردُ الغيابَ عن شبابيكِ البيت
الّذي نسي مواسمَ الرّجوع.
وكلّما تعمّق الليلُ أكثر…
أسمعُ صوتَ أبي يعودُ من ظلمةِ الطّرقات،
يربّتُ على قلبي بكفٍّ دافئةٍ كالحياة،
ويهمسُ:
“اصبر… فالوطنُ يسكنُ جذورَ البيت،
والزّمنُ نهرٌ متوّحش،
لكنّه سيعودُ يومًا، يحملُ السّفنَ الغائبة،
ويملأ أكوابَنا صباحًا جديدًا.
بقلم مؤيد نجم حنون طاهر
العراق






































