خوارِق اللاعقول ..
بقلم … محمد جلي
يُقال: ”النّضج هو أنْ تُدرِك:
أنَّ مُعظم الأشياء لا تستحقّ ردّة فعل”
نضوجي كان على عجل فوق نار حارِقة، موقودة بقدرٍ هائل من التّجارب المُؤلِمة، سلاسِل مُمتَدّة من الشّدائِد، وألف آهة كنتُ فيها على شَفا شَهْقة من الهلاك لكنِّي نجوت، مرَّتْ فوقي مرورَ الجبال، وغليتُ تحتها غليّ المِرْجَل؛ فشدَّتْ عضدي، صقلَتْ عقلي، وقوَّت قلبي.
نصيبي الأوفَر منها كان ذاكرة خصبة، لها أنياب تعُضُّ أصابع النّسيان كلّما امتدَّتْ إليها، استرجعها في المواقف الحرجة، وضمير حيّ يلدغ الفؤاد حين تمسّه الخطيئة، وندوب واقية تحتاط حَذراً وتغتاظ غضَباً كلّما استفزّتها خيبة عابِرة، علامات فارِقة في مُنعَطف الحياة، اتَّخِذها دليلاً في أحْلَك الليالي وأكثر الطُّرُق وعورةً.
فأنا سليل التّجربة رضيع الصّدمة، ولستُ وليد اللحظة فطيم الدّهشة، سبقْتُ عمري سنيناً، ووهبتُ ما تقدَّم منه قُربانًا للألم، فكان ضريبةٌ ارتقيتُ بها سُلَّم النّضج مُبكِراً، وتسلَّقْتُ جسد الحياة عاليًا، حتّى لمسْتُ ذروة العُمق الفكريّ، وقمَّة البُعد النّظريّ.
لذلك تبدو لي أغلب المشاهد مألوفة، والأحداث مُكرَّرة، كأنَّني مُخرِج سينمائي أراجع الفيلم للتأكُّد من جودة الصّورة وضبط الصّوت، أو بغرض التّهكُّم والسّخرية على تصرّفات بعض المُمثّلين، وأحياناً بدافع الشّفقة على مَنْ يظُن نفسه البطل وهو في قصّتي المهرّج.
كرِّر القراءة علَّك تستوعب فقط، لكن لا تُكرِّرها باحِثاً عن نفسك بين السّطور، لأنَّك لن تجدها، فأنت هامش على حواف أوراق الرّواية، وستتلاشى حين تصل إلى خاتمتها.






































