بقلم الكاتب … طارق محمد حسين
إيران إنتصرت !! كيف ذلك؟ .
وضعت الحرب أوزارها بين إيران وإسرائيل ومعها حلفائها ، وهنا تعود بنا الذّاكرة مجددًا إلى الحروب غير المتكافئة وهي نوع من الصّراعات بين طرفين متفاوتين في القدرات العسكرية والتّكنولوجية ، فكيف يمكن إعتبار فيتنام، وأفغانستان، والآن إيران، أطرافًا منتصرة في مواجهتها لقوى كبرى مثل الولايات المتحدة وإسرائيل وحلفائها من الأوربيين ، رغم الخسائر البشرية والمادية الّتي تكبدتها ؟، الإنتصار في الحروب غير المتكافئة لا يُقاس بعدد القتلىٰ والجرحيٰ أو حجم الدٌمار للطرف الأضعف، بل يتحقق حين ينجح الطّرف الأضعف في الحفاظ على نظامه السّياسي، والحفاظ على هويته وإستقلال قراره ، وإحباط أهداف الطّرف المُعتدي ، وكذلك عدم التّنازل عن حقوقه ، أضف الي ذلك كسب دعم شعبي أو إقليمي أو دولي، مع فرض شروط أو مواقف بعد إنتهاء الصّراعات ، ففي فيتنام تحقق الإنتصار حين إنسحب الأمريكيون وتوحدت البلاد، وفي أفغانستان، تحقق الإنتصار حين عادت طالبان إلى الحكم بعد إنسحاب القوات الأمريكية ،وكما قيل “إذا لم تستّطع هزيمة العدو عسكريًا، إجعله ينهار من الدّاخل”، وهذا ما رأيناه بوضوح في حرب فيتنام، حين إنقلب الرّأي العام الأمريكي على حكومته بعد خسائر بلغت ما يزيد عن 58,000 جندي ومئات الآلاف من الجرحى ، وفي أفغانستان حيث أُنهكت الولايات المتحدة في أطول حرب تخوضها دون تحقيق أهدافها، الحالة الإيرانية لماذا يُمكن إعتبارها منتصرة؟ ،رغم التّفوق العسكري والتّقني لإسرائيل، والدّعم الغربي الواسع الذي يشمل الولايات المتحدة، بريطانيا، فرنسا، وألمانيا، وغيرها من الدّول غير المُعلنة ، فإن إيران إستطاعت إفشال الأهداف الرّئيسية للهجوم عليها، فلم يتم إسقاط النّظام، وهو الهدف الأهم الذي تفكر فيه إسرائيل من ١٩٧٩م ،لم يتم القضاء على المشروع النووي أو الباليستي نهائياً مع ما أصابه من أضرار جسيمة ، عدم تضرر معظم أجهزة الطّرد ونقلها مع اليورانيوم المخصب وهو الأهم ، لم تحدث إنشقاقات في الجبهة الدّاخلية رغم محاولات التّحريض، فقد صمدت القيادة السّياسية والشّعبية أمام الهجوم،
بينما إستمرت إيران في قصف العمق الإسرائيلي وفرض شروط لوقف النّار مثل ضرب قاعدة العديد في قطر ، والتّفاوض حولّ الضّربة الأخيرة ، وهذه من أصعب ما يتم الإتفاق عليه ما يعرف بالضّربة الأخيرة حيث إن لها إعتبار سياسي كبير ذلك إنّه عادة يفرضها القوي في الحروب ، ثم سماح الولايات المتحدة الأمريكية بضرب قاعدة (العديد) في حد ذاته تفوق إيراني كبير في التّفاوض، ذلك إن من المعروف الجبروت والكبرياء الأمريكية خصوصاً في ظلّ حكم ترامب لا تسمح بمثل هذا التّفكير فضلاً عن الفعل ذاته ، إذ أنّ ذلك يعد إهانة للولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها في الخليج ،وهذا يعني أنّ إيران لم تُجبر على الإستسلام، بل تفاوضت من موقع الصّمود، وليس الضّعف، حتى رئيس وزراء إسرائيل نتنياهو حاول تهييج الدّاخل الإيراني ضد النّظام، وتدخل الموساد بعمليات داخلية كبيرة ، ومع ذلك فشلت الخطة في تحقيق الأهداف المرجوة، في فن الحرب والعلوم السّياسية ، إنتصار إيران لا يعني تفوقها العسكري الحاسم وإنّما يكفي أنّ تُفشل أهداف العدو، تحافظ على كيانها السّياسي، تستمر في المواجهة مع إرادة ووعي وتوازن، ومع ذلك إستطاعت لمدة ١٢ يوم إنّ تستمر في القصف وقد أصابت الكثير من مصادر الطّاقة والمعاهد والمباني ومراكز مهمة جداً داخل الأراضي الإسرائيلية فضلاً عن بعض القواعد الجوية والمركز المالي الإسرائيلي ومعهد وايزمان العالمي المعروف ومقر الموساد والإستخبارات وغيرها ، وبناءً على ذلك، كما إعتُبرت فيتنام وطالبان منتصرتين، فإن إيران أيضًا يمكن إعتبارها منتصرة في هذه المرحلة، لأنها صمدت، وفشلت إسرائيل رغم دعمها اللّامحدود من دول كثيرة بالمال والعتاد ،
وفي مقابل دولة إيران المُحاصرة بعقوبات اقعتصادية وعسكرية منذ خمسة وأربعين عاماً ، ولم تستطع إسرائيل فعل الكثير بل طلبت إيقاف الحرب كذلك بعد تلقي ضربات موجعة ،كما إنّ إيران لم توافق على التّفاوض في ظلّ الحرب وعندما فاوضت لم تتنازل عن أي حق من حقوقها فضلاً عن الإستسلام في الحرب مقابل أعتى جيوش وأساطيل العالم، ولم تخشى تهديد ووعيد ترامب ، فضلاً عن إعلانها إستمرار مشروعها النّووي والباليستي أثناء الحرب ، فنعم إيران إنتصرت إستراتيجياً ولا عزاء في الأمّة العربية .
بقلم الكاتب … طارق محمد حسين






































