الصداقة في العالم الأزرق :
نحن أفكار ولسنا بطاقات هوية !
الدكتور عبدالكريم الحلو
__________________
صباحكم ورد ونهاركم جميل يارب :
* في هذا العالم الأزرق المسمّى بـ(الفيسبوك)، وفي سائر فضاءات التواصل الاجتماعي، يتوهّم البعض أن زر إضافة صديق أو متابعة شخص ما يمنحهم حق الدخول إلى مساحات الآخرين الخاصة، ويحوّلهم إلى ضيوف دائمين على موائد الأسرار.
* سألني أحدهم ليلة البارحة:
“كلّمني عن نفسك.”
ابتسمتُ وأجبته:
“ليس لديّ ما أُخبرك به أكثر مما تراه هنا… كلّي في صفحتي. أنا أفكاري، أنا كلماتي، أنا ما أكتبه لا ما أُخبّئه.”
في هذا الفضاء الافتراضي،
نحنُ لسنا صورًا شخصية ولا تواريخ ميلاد، !
نحن أفكارٌ مكتوبة على جدراننا،
نحن آراؤنا، مواقفنا، ذائقتنا في اختيار الكلمات والصور والموسيقى.
من أراد أن يعرفني فليقرأني، ومن أراد أن يتقرّب فليقترب من طريقتي في التفكير
لا من تفاصيل حياتي اليومية.
هنا، الصداقة ليست التزامًا بوليسيًا ولا علاقة تحقيقات شخصية.
ليست سؤالًا:
“ من أنت؟
أين تعيش؟
ماذا تعمل؟”
بل علاقة احترام متبادل
لمقدار ما أسمح أن يُعرف عنّي.
لا أحد يستطيع أن يحمل على ظهره ٥٠٠٠ صديق في حياته اليومية.
لا وقت، لا طاقة، ولا حتى مساحة روحية تكفي لهذا العبء.
في حياتي الحقيقية لدي عائلتي، أصدقائي الواقعيون القليلون الّذين جمعتنا الحياة في دروبها الطويلة أو القصيرة، أما هنا، فأنتم رفاق نصّ، وشركاء فكرة، وأصدقاء كلمة.
الصداقة هنا ليست التزامات، بل تحايا راقية، واحترام متبادل، ومرور جميل على ضفاف الكلمات.
لا أريد من أحد شيئًا سوى أن يحترم حدود هذا الحضور :
أن نلتقي في الفكرة،
ونختلف في الرأي،
ونبتسم للجمال،
ونترك الحياة تمضي بهدوء.
أنا صديقك هنا فقط،
مع أصدق الأماني،
وأطيب الدعاء.
لكن لا تطلب من العالم الافتراضي أن يتحوّل إلى بيت شخصي
تطرق أبوابه متى تشاء
بأسئلة شخصية ثقيلة.
الصداقة الحقيقية
ليست على شكل سؤال :
“ كلّمني عن نفسك.”
بل على هيئة عبارة بسيطة :
“ أحببتُ ما كتبتَ.”
وهذا يكفيك ويكفيني .
مع تقديري واحترامي
الدكتور عبدالكريم الحلو






































