تراتيل عاشقة
وقفت أمامَ ضريحِ الإمامِ الحسينِ، لا أحدً بجوارِها فقد اعتادت الصلاةَ وحدَها في مثلِ هذا الوقتِ المتأخّرِ من اللَّيلِ قرابةَ الفجرِ؛ تُقيمُ اللَّيلَ ثمَّ تدعو بما تشاءُ، فقد كانَ خادمُ المسجدِ جارَها، صديقَ أبيها المفضَّلِ- رحمه الله – يفتحُ لها المسجدَ وقتما تشاءُ.
اليومَ دموعُها منهمرةً، وجهُها شاحبٌ، وقلبُها يعتصرُ، أقامت ركعتَيّ تحيّةٍ المسجدِ، ثمَّ صلاةَ قيامِ اللَّيلِ؛ وقفَت، كبرَّت،تلت، ركعت، سجدت، وبكت؛ حركاتٌ جسديةٌ، وعقلُها غائبٌ تمامًا، دموعُها تُغطّي وجهَها، تشهقُ، تنهجُ، وقلبُها يرتجفُ.
اتكأت على سورِ الضَّريحِ الَّذي يفوحُ منه عبقُ البركاتِ، رائحةٌ زكيّةٌ لا هي من العطورِ، ولا الزُّهورِ؛ وإنَّما رائحةُ السَّماءِ الممزوجةُ بالحبِّ.
قالت :يا ربُّ مررتُ بأشدِّ حالاتِ الضِّيقِ حينَ أحببتُ ـ مَن ليس لي ـ؛ هذا الطَّويلَ الممشوقَ ذا اللِّحيةِ الخفيفةِ الحالكةِ، والعينين الواسعتين الملوّنتين بزرقةِ السَّماءِ، ذا الصَّوتِ الوقورِ، والكلماتِ الجادّةِ.
ملابسُه بينَ العصريّةِ والكلاسيكيّةِ؛ تتّسمُ بالأناقةِ والذّوقِ، يُحبُّه كلُّ مَن يعرفه.
يتميّز بحسِّ الفكاهة، جدِّيٌّ دون غلظة.
بيني وبينَه أبحرٌ وجبالٌ، مسافاتٌ ضوئيةٌ من العوائقِ.
أستاذي، معلِّمي، مديري في عملي، جاري؛ يكبرني بعشرين عامًا، متزوجٌ وحياتُه مستقرّة
ولكنَّني أحببته، كيف؟ لا أدري!
متى؟ لا أعلم!
وحدَك يا اللهُ تستطيعُ أن تُزيلَ الحبَّ من قلبي، حتَّى أتخلّصَ من عذابِي.
خذْ قلبي إليك ، أخذُ الكرامِ عليك لا تترك الحزنَ يأكلُ روحِي.
أريدُ التَّخلصَ من آلامِ الحبِّ الَّتي تحرقُ أنفاسي، وتقضُّ مضجعي، أريد الموتَ، الخلاصَ، أريد وأريد ….، …. ولا أعلمُ ماذا أريدُ.
بكاءٌ مُرٌّ، دموعٌ حَارَّةٌ، شهيقٌ يُسمعُ صداه في السَّماءِ، وآلامٌ حارقةٌ تُدمي قلبَها.
أفاقت من تراتيلَ تخبرُ بها ربَّها
وإذا بيدٍ تربّتُ على كتفِها
فإذا به واقفٌ بجوارِها؛ وقد سمعَ، وعرفَ، وفهمَ؛ اللهُ أكبرُ تملأُ أركانَ المسجدِ؛ فإذا بالصَّلاةِ تُقامُ وفجرٌ جديدٌ يشرقُ.
الكاتبه الصَّحفيه/ د. دعاء محمود
مصر
دعاء قلب






































