أشباحٌ عقليةٌ
يُخيِّمُ اللَّيلُ بظلامِه على كاملِ البلدةِ، ينامُ النّاسُ إلّا هي؛ تدفنُ رأسَها في وسادتِها، تتلحَّفُ بشدّةٍ، تضعُ سمّاعاتِ الأذنِ، تُديرُ الهاتفَ على أيّ شيءٍ يجعلُها متيقّظةً؛ خشيةَ أن يأتيَ الشَّبحُ فيلتهمُ جسدَها، ويفتكُ بها، إنّه ليس واحدًا؛ بل أشباحٌ كثيرةٌ تحومُ حولَ منزلِها من الخارجِ، وتسكنُ غرفتَها.
جافَاها النَّومُ منذُ سنواتٍ طويلةٍ، بعد فقدِ أسرتِها جرّاءَ حادثِ انهيارٍ جليديٍّ على مقربةٍ من منزلِها؛ كانتِ الوحيدةُ النَّاجيةَ منه.
بعدَها راحت تصارعُ يوميًّا أشباحَ الخوفِ من الموتِ، والفقدِ، أشباحَ الذِّكرى الَّتي ثقبت قلبَها، إنّهم البشرُ الَّذين فقدتِ القدرةَ على الثِّقة بهم.
سيطر الخوفُ عليها ، فلم تجد بدًّا من الاختباءِ، والاختفاءِ منه.
حاولت مرارًا أن تتخلَّصَ من تلك الأشباحِ الَّتي تقطنُ عقلَها ولم تفلح.
أعمدةُ الإنارةِ تسيرُ خلفَها وهي ذاهبةٌ إلى عملِها، كلابُ الشَّارعِ تلهثُ لتفتكَ بها دون غيرها، يتقصّدُها النَّاسُ بسوءِ التَّعاملِ، تجري مسرعةً؛ ذاهبةً آتيةً من أيِّ شيءٍ لا تعلم.
وما أن تدخلَ المنزلَ حتَّى تشعرَ بالرَّاحةِ، ثمَّ تبدأُ الأشباحُ بالظُّهورِ من جديد في مُخيّلتِها.
أزمةٌ حقيقيّةٌ تُعاني منها، ولابدّ من التَّخلُّصِ من تلك الأوهامِ العقليّةِ.
عادت الطَّبيبَ عدّة مراتٍ؛ كان يساعدُها في التَّخلّّصِ من أزمتِها؛ ولكنَّها تُريدُ الخلاصَ سريعًا؛ فقد سئمَت.
نهضت من نومِها، ألقت أغطيتَها أرضًا، إنّه منتصفُ اللَّيلِ ،تُصارعُ، وتُصارعُ الأشباحَ؛ سيفٌ طويلٌ حادٌّ في يديِّها؛ صرعَتِ العنقاءَ والشّبحَ ذا العينين الحمراوين، صرعتُ الخيالاتِ الَّتي تَجري وراءها ، وبقيت تُقاتل حتَّى انتهتْ منهم جميعًا وصرعتهم.
بعد حرب طويلة طاحنة، مرّتْ لحظةٌ من الهدوءِ ؛ اكتشفت فيها أنّ العنقاءَ لم تكُن إلا ذاتَها، والشَّبحُ ذو العينين الحمراوين هو ظلُّها، والخيالاتُ الَّتي تجري وراءها هي ذاتُ أفكارُها.
لقد صرعت مخاوفَ عقلِها، وباتت بقيَّةَ ليلتُها هادئةً مستقرّةً.
لكنّها تأكّدت أنَّ الخوفَ يُقهرُ بالإيمانِ باللّه، بالعقلِ الواعي، بالعملِ الجادِّ المخلص، وبالأفكارِ النَّاضجة.
علمت أنّ أزمتَها ستنتهي بهزيمةِ خوفِها، ودحرِها لأوهامٍ باتت تُؤرِّقُ نومَها، وتُكدِّرُ عيشَتَها.
ذهبت إلى طبيبٍ، وليس عيبًا أن يطلبَ الإنسانُ عونًا.
شُفيت أخيرًا بعد اقتناعٍ بالعلاجِ، والإيمانِ بقدرتِها على الشِّفاءِ .
فغَدَتْ قادرةً على مواصلةِ الحياةِ بنجاحٍ وفرح .
الكاتبه الصَّحفية/ د. دعاء محمود
مصر
دعاء قلب






































