سَتُبدي لَكَ الأَيّامُ ما كُنتَ جاهِلاً …. وَيَأتيكَ بِالأَخبارِ مَن لَم تُزَوِّدِ
” طرفة بن العبد ”
(سيرةُ جثةٍ لم تُستشر) بقلم جان كبك
في نشرات الأخبار ظهر المذيعُ مبتسماً …. لم يكن في المضمون ما يدعو للابتسام … لكنّه ابتسم… كما يفعل موظف أتقن دوره في عزف نشيد الكارثة…..
قرأ بخفّة محترفة أنّ ذاك الذي عبر في ذاكرتنا كطلقة .. ككابوس يُعاد بثّه كلما أُغلقت أبواب المحاكم … قد غُفِر له…. غُفِر له وصار اسمه على قائمةٍ جديدة لا تضمّ القتلة هذه المرّة، بل صنّاع السلام.
دخل المشهد من الباب الأمامي …مصفّف الشعر محاطاً بالتصفيق والابتسامات…. كأن ما جرى في أحياء المدينة مجرد روايةٍ مشوشة و كأنّ الأجساد التي دُفنت في الحارات الضيقة كانت نزهاتٍ فاشلة… لا أكثر.
قالوا: لقد تصالحنا … ولم يُخبرنا أحد عن شروط هذا الصلح … ولا إن كان الموتى قد وُقّعوا على البيان.
في جميع الأماكن التي تعرف لون العتمة عن ظهر قلب … ظهر ووقف بهيئته الجديدة ليقول: “أنا جزء من المرحلة.” وكان ذلك صحيحًا… فالمرحلة لا تعني الحقيقة ولا الندم …بل القدرة على التجميل وتلميع الحديد الذي خنقنا ليبدو كإطارٍ ذهبيّ لصورة الوطن.
جلسوا معه على الطاولة المستديرة التي دار الوطن حولها مرارًا حتى فقد الاتجاه. أُهديت له صفةٌ جديدة: المندوب عن الأمن إلى المصالحة. وكأنّ الذئب يمكن أن يكتب قوانين حماية القطيع … وكأنّ الخنجر يعرف كيف يضمّد الجرح.
في “التسوية الكبرى” صافحت أمٌّ من قتل ابنها….. ابتسمت … لا لأنّ الغفران حدث بل لأنّ الابتسامة مطلوبة ضمن مراسم الطاعة الجديدة.
سألني صوتي – ذاك الباقي منّي بعد كل خذلان – من الذي انتصر؟ فأجبته: الخذلان نفسه. هو المنتصر حين لا تجد الضحية مكانًا على الطاولة إلا إذا جفّفت دموعها… وغسلت دم ابنها… وركّزت في الكاميرا كي لا تفسد الصورة العامة…..
إنه هو ذاته …. لم يتغيّر … لكنه بات يعرف كيف يبتسم للعدسات وكيف يضع عطرًا يكتم رائحة الحريق.. عُفي عنه لأنّنا نُجيد الغفران حين نفقد العدالة ولأنّ المصالحة لا تسأل الجثث عن رأيها….. يُسامح باسمنا من لا يمثّلنا، ويُستقبل القاتل كأنه ممثلٌ عن ضميرٍ عام ضُرب على رأسه حتى فقد الوعي.






































