غرفة تخصّها وحدها. : فرجينيا وولف وصوت المرأة الّذي لا يُكتم …
بقلم … ربيعة بوزناد
ـ حين اختارتني الكتب:
في لحظة هدوء في إحدى زوايا مكتبة صغيرة، وقع بصري على كتاب بعنوان “A Room of One’s Own” لفرجينيا وولف.
لم أكن أبحث عنه، لكن يبدو أنّه كان هو من وجدني.
كان الغلاف بسيطًا، لكنّ العنوان وحده حمل أسئلة كثيرة:
هل نحتاج حقًا إلى غرفة لكي نكتب؟ أم أنّ الغرفةَ رمزٌ أعمق من الجدران؟
منذ الصّفحة الأولى، شعرت أنّ هذا النّصّ ليس مجرّد كتاب، بل اعتراف أدبيّ وصرخة نسويّة ناعمة لكنّها حاسمة.
أردت أن أشاركه معك كقارئة، وكاتبة، وكإنسانة تبحث دائمًا عن لحظة صدق في عالم الكتابة.
ـ من هي فرجينيا وولف؟
فرجينيا وولف (1882-1941) ليست فقط واحدة من أعظم الرّوائيات الإنجليزيات في القرن العشرين، بل هي عقلٌ تمرّد على الصّمت، وصوتٌ اخترق جدران العزلة.
تمرّدت على التّقاليد، وكتبت بأسلوب تيّار الوعي الّذي منح الأدب بعدًا داخليًّا جديدًا، حيث تتنفّس الكلمات داخل العقول والأرواح.
ـ تيّار الوعي: حين تتحوّل الكتابة إلى نبض داخلي
ما أدهشني في أسلوب وولف هو تلك الحميميّة المتدفّقة في السّرد، كأنّنا لا نقرأ بل نُصغي إلى ما يحدث في عقل الشّخصيّة.
ككاتبة، أرى في تيّار الوعي تحدّيًا كبيرًا: أن تكتب دون أن تقطع خيط التّفكير، أن تكون أمينة للحظة الشّعور حتّى وإن كانت فوضويّة.
فرجينيا فعلت ذلك ببراعة، دون أن تفقد القارئ، بل دفعتنا لأن نرى أنفسنا في تلك التّفاصيل المتناثرة، الصّادقة، والعميقة.
“غرفة تخصُ المرء وحده “: أكثر من مكان… إنّها كيانه
في هذا النّصّ الممتد عن محاضرة ألقتها في جامعة كامبريدج، تقول فرجينيا:
” على المرأة أن تملك دخلا ثابتا وغرفة خاصّة لكتب “
أعجبتني الجرأة في البساطة.
الغرفة هنا ليست فقط مساحة مادّيّة، بل تمثّل الاستقلال، والحرّيّة، والحقّ في الحلم والخلق دون إذنٍ من أحد.
الكتاب وجّه إليّ سؤالًا لم أطرحه من قبل:
هل أملك “غرفتي الخاصّة”؟
ولم أقصد الجدران، بل تلك المساحة الحرّة في داخلي الّتي أكتب منها بصدق.
أعتقد أن كثيرات منّا لم يُمنحن تلك الغرفة بعد.
ـ ما بين الانبهار والمساءلة..
أعترف أنّني انبهرت بجمال اللغة، لكنّني، في بعض اللحظات، تمنّيت مزيدًا من الأمثلة الواقعيّة من الكاتبات المعاصرات لوولف.
أسلوبها عميق، لكنّه يتطلّب قارئًا صبورًا، مستعدًا للغوص في طبقات النّصّ، والقبض على ما بين السّطور.
ومع ذلك، فإنّ هذه الكثافة ليست عيبًا، بل دعوة للتأمل.
فرجينيا لم تكن تكتب لتُرضي، بل لتُحرّض، ولهذا أرى أن “غرفة تخصّ المرء وحده ” ليس مجرّد بيان نسويّ، بل ممارسة فكريّة لتحرير الكتابة من قيود الجندر.
ـ لماذا يجب على القارئ اليوم أن يقرأ هذا الكتاب؟
لأنّه ما زال معاصرًا رغم مرور قرن من الزّمن.
لأنّ النّساء ما زلن يُقمن في زوايا غير مرئيّة، ولأنّ الكتابة ما زالت تُقيَّم بعيون الآخرين.
قراءة وولف تُعيد تعريف الكتابة: ليست ترفًا، بل حقًّا وجوديًّا.
ـ حين تصبح الغرفة وطنًا داخليًّا
“غرفة تخصّ المرء وحده ” ليست فقط دعوة لامتلاك مكان مادي، بل هي دعوة لامتلاك الشّرعيّة في أن تكوني كاتبة، مفكرة، حرة، كاملة.
هذا الكتاب لمس شيئًا عميقًا بداخلي.
وجعلني أفهم أن الكتابة ليست ما نفعله، بل ما نُنجبه من أوجاعنا، من أفكارنا المحرّمة، من أحلام لم يُسمح لنا يومًا أن نحلم بها …







































Discussion about this post