سنوات الضياع: سردٌ درامي يعانق الألم ويغازل الأمل .
بقلم : سلمى صوفاناتي
في زمنٍ كان الحبُّ فيه ضوءاً يتسلل بين جدران الفقر، وصرخةً تعلو فوق أنين الذكريات، عُرض على شاشاتِ “إم بي سي 1” عملٌ دراميٌّ حمَلَ في طياته عبقَ التراجيديا الإنسانية، مُنذُ فبراير 2008 وحتى أغسطس من العام ذاته. مسلسل “سنوات الضياع”، الذي نُقِلَ إلى العربية باللهجة السورية، لم يكن مجردَ حكايةٍ عابرة، بل كان لوحةً فنيّةً رسمتها أناملُ الأقدار بدماء القلوب الجريحة وأحلامِ الشباب الضائعة.
الفصل الأول: حبٌّ يولد تحت أنقاض الفقر .
في أزقةِ حيٍّ يئنُّ تحت وطأة الفاقة، عاشت “رفيف” بقلبٍ يحمل براءةَ الحُلمِ وخيوطَ الخياطة التي تكسبُ منها رزقها. خطيبها “يحيى”، الفتى الثائر الذي يحملُ في عينيه غضبَ اليتمِ وحلمَ بيتٍ صغير، كان يسعى بين الحلم والواقع كطائرٍ بجناحين مُكسّرين. لكن الأقدارَ، بتلابيبها الخادعة، كانت تُحيكُ خيوطاً أخرى حين التقت رفيف بـ”عمر”، ابنِ صاحب شركة “تك ستايل”، الذي رأى في عينيها ما لم تره شوارعُ الفقر المدقعة.
بدأ الحبُّ ينمو كزهرةٍ بريةٍ بين الركام، فكان كلّ لقاءٍ بينهما قصيدةً تُحرقُ بجمر الغيرة قلبَ يحيى. تحوّل الغضبُ في صدره إلى وحشٍ ينهشُ أحشاءه، فاندفعَ كالريحِ العاتية، يُحطّم كلَّ ما يعترضُ طريقَ حبّه الضائع، حتى وجدَ نفسَه بين جدرانِ السجن، تاركاً رفيفَ تواجه مصيراً أقسى من حلمها الهش.
الفصل الثاني: سقوط الأقنعة ودموع الذئاب..
بينما كان “عمر” يُمسك بيد رفيف ليُطلقها نجمةً في سماء الدعاية، كانت الأقدارُ تعدُّ لها مرضاً قاسياً يختزلُ حياتَها في شمعةٍ تنطفئ مع أول نسيم. حملت بين جنبيها طفلةً ستكونُ الشاهدَ الوحيد على قصة حبٍّ دفنته يدُ القدر تحت التراب. ماتت رفيف، تاركةً وراءها دموعاً لا تجف، وابنةً صغيرةً ستكبرُ بلا أم، وقلبَ عمر الذي تحوّل إلى أنقاض.
أما يحيى، الذي خرجَ من السجن كالغيمة السوداء، فقد حوّلَ أحقاده إلى سيفٍ يذبحُ به كلَّ من ظنَّهم سببَ شقائه. حتى “لميس”، شقيقة عمر، وقعت في شباكِ حبّه المرّ، فدارت بينهما رحى العاطفة والانتقام، حيث الوعدُ والألم يتصارعان على جمرِ الذكريات.
الفصل الثالث: عودةُ الأشباحِ وأسرارُ الماضي الحزين ..
بعد أربع سنواتٍ من الغياب، عاد عمر ولميس إلى وطنٍ لم يعد يعرفُهما. عمر، الذي فرَّ من شبح رفيف، وجدَ نفسَه أمامَ طفلتها التي تحملُ عينيها. ولميس، التي حاربت لاستعادةِ ما سُلبَ منها، واجهت يحيى الذي صارَ رجلاً قوياً، لكن قلبه ما زال يعاني من جروح الماضي.
تدخّلت “جمانة”، أم يحيى، كخيطٍ خفيٍّ يحيكُ المصائر، بينما دخل “تيم”، الرجل الثري، كشخصيةٍ شريرةٍ تُحيكُ المؤامرات. لكن في النهاية، سقطت كلُّ الأقنعة، وظهر الحبُّ الحقيقيُّ كالشمس بعد عاصفة، فانتهت الحربُ بين يحيى ولميس بزواجٍ جمعَ بين الجرح والضماد.
“سنوات الضياع” لم تكن مجردَ حكايةٍ عن حبٍّ ضائع أو انتقامٍ مُر، بل كانت مرآةً عكستْ تناقضاتِ النفس البشرية بين الحقدِ والغفران، بين اليأسِ والأمل. مسلسلٌ مزجَ الدموعَ بالابتسامات، وتركَ في الذاكرة سؤالاً:
هل يُمكن للقلبِ أن يتعلّمَ العيشَ من جديد بعد أن يفقدَ كلَّ أسبابِ نبضه؟ .







































Discussion about this post