قراءة نقدية في “وصاياها”: سيمفونية الوجدان وعِرق الحرف .
بقلم : سلمى صوفاناتي
يال تلك النصوص التي تتدفق كالنهر العابق بأسرار الكون، وتنبض كقلب عاشقٍ يكتب آخر أعذاره! “وصاياها” ليست مجرد كتاب، بل هي مقام روحي.. تُتلى فيه أناشيد الحب، وأسفار الألم، ورقصات الفرح الهاربة من قمقم الزمن. إنها شرنقة مكسورة .. تخرج منها الفراشات حاملةً على أجنحتها عطرَ الأرض والسماء معًا.
أولاً: تشريح الجمال
ما الذي يجعل “وصاياها” نصًّا استثنائيًّا؟ إنه الانزياح الدائم بين العذوبة والجرأة، كبستان ياسمين تخترقه سيوفٌ من نور. الكاتب هنا لا يكتب بالحبر، بل بندى الصباح وقطران الليل. اللغة عنده كائن حي:
– المفارقة الشعرية: “عكّاز قلبٍ أنهكته الأيام لكنّه لم يلقِ منديله” — فالألم لا يُمسح، بل يُحتَضَن كرفيق درب.
– المجاز الطازج: “فراشة مزّقت شرنقة الوقت” — حيث يصير الزمنُ خيطًا حريريًّا يحيك منه الكاتب فضاءه .
ثانيًا: فلسفة الوصايا :
الوصايا هنا ليست نصائحَ أخلاقيةً جافة، بل ندباتٌ مضيئة .. على جسد الوجود. إنها تقول:
– “الحبُّ ليس زهرةً تُقطف، بل مناخٌ كاملٌ تُخلق فيه الزهورُ والأعاصير”.
– “الخيانةُ ليست جرحًا، بل هي المشرط الذي يكشف عن عظام الروح”.
الكاتب .. يُعيد تشكيل المفاهيم .. عبر لغةٍ ترفض التسطيح، كأنما يخاطب القارئَ قائلًا: “هذه وصيتي لك: ألا تقرأني بعينيك فقط!”
ثالثًا: الأسلوب الساحر
لو كان للكلمات أجنحة، لكانت كتابة أشرف كمال سربًا من طيور الفينيق. الأسلوب هنا .. ينزف شعرًا حتى حين يكتب النثر :
– الإيقاع الداخلي: “في القلوب الصغيرة التي تولد بفكرة وتمضي بفكرة وتخلد بفكرة” — تكرارٌ موسيقيٌّ يُذكّر بتراتيل الصوفيين.
– التكثيف الصوفي .. : “هي كلّ كلّ لا تفصيل له” — فالجمال الأعظم يُدرَك بالحضور لا بالوصف.
.. رابعًا: النقد والتأويل
لكن، أليس في هذا النص .. تهويمٌ يلامس الغموضَ أحيانًا..؟ قد يُلام الكاتب على ..انزياحاته المجازية المفرطة.. التي تُربك القارئَ العادي، لكن أليست الأدبيةُ الحقيقيةُ هي التي تُجبرنا على تسلق جبال المعنى. بدلاً من السير على أرضٍ مستوية؟
“خاتمة: الوصية الأخيرة”
“وصاياها” .. ليست كتابًا يُقرأ، بل تجربةٌ تُعاش. هي كالوشم على ذاكرة من يمر بها، كاللحن الذي يظل يُرنّ في الأذن الداخلية بعد انتهائه. وإذا كانت الكتبُ تُقاس بكمِّ الأفكار التي تقدمها، فإن هذا العمل يُقاس بكمِّ الروح التي يهبها للقارئ.
فهل نستحق نحن — كقراء — هذا العطاء؟ هذا هو السؤال الوحيد الذي تتركه النصُّوص معلقًا في الهواء كرائحة عطرٍ لا يُعرف إن كان ينتمي إلى الأرض أم السماء .







































Discussion about this post