فــنُّ التَّغافـــلِ
د. دعاء محمود
خُلقٌ كريمٌ، أدبُ السَّادةِ، هو أن تغضََ الطَّرفَ عن الهفواتِ وألا تُحصي السَّيئاتِ، وأنْ تترفّعَ عن الصَّغائرِ، ولا تُركِّزْ على اصطيادِ السَّلبياتِ.
فأنا أتغافلُ عن زلَّاتِكَ وبعضِ عيوبِك، أتحاشى عمَّ يُكدّرُ صفو العيشِ، ويُشعلُ القلبَ، ليس ضعفًا ولا خُضوعًا وإنَّما حُبًّا، فإنَّ أعظمَ الحبِّ يُبنى بالتَّغافلِ.
قالَ الإمامُ أحمدُ: تسعةَ أعشارِ حسنِ الخلقِ في التَّغافلِ، وقالَ الحسنُ البصريُّ: ما استُقصِي كريمٌ قط ، ووردَ عن معاويةِ بن أبي سُفيانِ: العقلُ ثلثُه فطنةٌ وثُلثُاه تغافلٌ، وقالَ الإمامُ الشَّافعي: الكيِّسُ العاقلُ؛ هو الفطنُ المتغافلُ، وقالَ ابن المبارك: المؤمنُ يطلبُ المعاذيرَ، والمنافقُ يطلبُ الزّلَّاتِ. وكذلكَ قالَ اللهُ تعالى: عن نبيِّه صلَّى الله عليِّه وسلَّم لمَّا أخطأت بعضُ أزواجِه: (عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ)..التَّحريم(آية 3)
قالَ الامامُ عليُّ بن أبي طالبٍ رضيَ اللهُ عنه: نصفُ العافيةِ بالتَّغافلِ.
فهو أنضجُ مراحلِ الحياةِ.
لولا التَّغافلِ عن أشياءٍ نعرفُها،
ما طابَ عيشٌ ولا دامتْ مودّاتٌ.
ويُعتبرُ فنُّ التَّغافلِ مهمًّا جدًّا لنا في حياتِنا؛ حيثُ إنَّ السَّببَ في مشكلاتِنا الأسريّةِ والاجتماعيّةِ وفي محيطِ العملِ هو التَّدقيقُ والتّركيزُ على مواقفَ وأخطاءٍ مزعجةٍ صَدرَت وتَصدرُ عن الآخرين.
ولا يُعتبر التَّغافلُ سذاجةٌ أو ضعفٌ؛ بل هو تعمّدُ الغفلةِ رُغمَ القدرةِ على التَّركيزِ والتَّدقيقِ ومواجهةِ المشكلاتِ.
فالتَّغافلُ؛ هو الحبُّ في ذُروةِ معانيِه؛ فأتجاهلُ زلَّاتِ زوجِي، وهفواتِ أولادِي، وصغائرَ أصدقائِي؛ حتّى تستقرَّ دوائرُ علاقاتِنا.
هذا هو فنُّ التَّغافلِ،
فعندما تتغافلُ عن أشياءٍ كثيرةٍ يقلُّ التَّوترُ والقلقُ، وتستطيع أنْ تتمتّعَ بالتَّوازنِ العاطفي والنَّفسي.
ويُقالُ أنَّه ليس الغافلُ بسيّدِ قومِه، ولكنَّ سيّدَ قومِه المتغافلُ.
إنَّ التَّدقيقَ والحرصَ على الإفحامِ والتَّذكيرَ بسوابقِ الماضي كُلِّها تُفسدُ العلاقاتِ، وكلُّنا نَمرُّ بحماقاتٍ وأخطاء.
لذلك نلتفتُ إلى كلِّ السُّلوكيّاتِ الجميلةِ والمواقفِ المتميّزةِ في حياتِنا مع الآخرين لتستمرَّ العلاقاتُ، فنحنُ بحاجةٍ إلى كلِّ فردٍ في حياتِنا.
كلماتُكَ الطَّيبةُ لها أثرٌ طيّبٌ، اعتذارُكَ له قيمتُه، تَفهمُكَ للآخرين أدبٌ، والتَّغافلُ عن الأخطاءِ وعيٌّ، ورقيٌّ، وصونٌ للحبِّ.
الكاتبة الصَّحفية/ د. دعاء محمود
مصر
دعاءقلب







































Discussion about this post