الأحلام رحلة وجوديّة تعيد تشكيل العالم ..
بقلم : سلمى صوفاناتي
يُعَدُّ السّعي وراء تحقيق الأحلام ، حجرا أساسيّا في تشكيل الهويّة الإنسانيّة . حيث أنّه يجسد الصّراع الأبديّ بين المحدود ، واللا محدود . وبين الواقع والخيال . فالحلم إضافة لكونه طاقة روحيّة وفكرّية ، فإنّه يشكّل دافعا وجوديّا يتجذّر في النّفس البشريّة بإرادة التّجاوز . وفي الوقت نفسه . فإنًه يطرح أسئلة مصيريّة عن الثّمن الوجودي والأخلاقي لهذا السّعي . إنّه رحلة تذوب فيها الحدود بين الفشل والنّجاح ؛ لتصير الغاية بحدّ ذاتها مسارا للإكتشاف الذّاتيّ ، وإعادة تعريف المعنى . فهو يمثّل في الأدب والفلسفة رمزا للشوق الإنسانيّ في تجاوز القيود الماديّة . تماما كالضّوء الّذي يستدعي السّائر في ظلام الواقع ، نحو أفق خيالِ يصعد بنا إلى الفردوس الأعلى بحثا عن الحبّ الّذي يحرّك الشّمس والنِجوم .
في إشادة إلى أنّ السّعي نحو المطلق هو جوهر التّطهير الرّوحي . لكنّ هذا الصّمود لا يخلو من المخاطر ، كما تحذّر أسطورة السّرينات في ” الأودسية ” لهوميروس . حيث يغدو الحلم وهما يجرّد السّاعي من إنسانيّته ، إن انساق إلى سحر النّهايات ، دون وعي بالرّحلة بحدّ ذاتها .
هنا يبرز التّناقض الوجودي . فالحلم يرفع الإنسان من كونه كائنا عابرا إلى مشارف الخلود . لكنّه قد يحوّله إلى أسير أوهامه ، إن افتقد التّوازن بين التّوقّد الرّوحي ، وضروبات الواقع . وهذا يعني أنّ قيمة الحلم لا تتحقّ في بلوغ الغاية . بل في تحوّل الذّات خلال الرّحلة . حيث يصير الكفاح نفسه شكلا من أشكال الخلاص . ففي ” أسطورة سيزيف ” لألبير كامو . يصير الدّفع الدّائم للصخرة رمزا لإنتصار الإرادة على العبث . إذ يجد سيزيف معناه في رفض الإستسلام . هذا الموقف : يتوارى مع فكرة ” العلاج بالمعنى ” لفيكتور فرانكل ، الّذي رأى في السّعي ذاته قوّة تحيي الأمل ، حتىّ في ظلّ الظّلام .
وفي الأدب : يجسد ” دون كشوت ” لسرفانتس هذا الإنزياح عن الواقع بوصفه شجاعة وجوديّة . فحين يحارب طواحين الهواء ، لا يدان لحمق أحلامه . بل يحتفل بها لتمسّكه بحقّه في إعادة تخيّل العالم .
وهنا تبرز قصيدة ” إيميلي ديكنسون ” الأمل هو الشّيء ذو الرّيش . كتأكيد على أنّ السّعي ينبت أجنحة خفيّة ، تطير نحو الحلم ، وإن بدا بعيد المنال .
ولايعتبر تحقيق الحلم نهاية المطاف . بل هو ولادة متجدّدة لأسئلة أعمق . فكما في خيميائيّة القرون الوسطى . حيث كان البحث في حجر الفلاسفة تحوّلا داخليّا ، مثل أن يكون هدفا مادّيّا . فإن السّعي الإنساني نحو الأحلام يذيب الأنا في بوتقة التّجربة ، لتصير الذّات أكثر رحابة ، وقدرة على استيعاب تناقضات الوجود . وفي هذا السّياق : يتحوّل الفشل من دليل هشاشة ، إلى شهادة على الجرأة . لأنّ من يجرؤ على الحلم ، يعيد تعريف الممكن . معلنا أنّ القيمة الحقيقيّة ليست فيما يكتسب . بل في مايفقد ، ويستعاد خلال الرّحلة . وهكذا يصير السّيّء وعيا متجدّدا . وهذا يعني بأن الحلم ليس مكانا تصل إليه . بل هو البوصلة الّتي تعيد اكتشافنا لأنفسنا في كلّ خطوة .







































Discussion about this post