الكاتبة … زينة لعجيمي
“لا أريد أن أكون كاتبة”
غالبا ما يكون لقلمها نصيب وسط ثرثراتهما وأحاديثهما العميقة الّتي لا تخلو من المرح والدّعابة كالعادة، كلّما قرأَت لها صديقتها تملّكتها الدّهشة والإعجاب قائلة ” ماهذا الإبداع عزيزتي! أتنبّأ لك بمشوار باهر في عالم الكتابة! بإذن الله ستتألّقين وتصبحين كاتبة لامعة ومشهورة!
لتردّ هي بكلّ برود “لا أريد أن أكون كاتبة ولاشاعرة، ولا تعنيني الشّهرة رولا، غاياتي أسمى وأرقى من ذلك بكثير، رغم ذلك سأعتزل الكتابة “، هذه الجملة تستفزّ جدًّا رولا وتخرجها عن طورها، فتهدّدها أحيانا بشكل مجنون يثير ضحكة صديقتها الكاتبة، كما حدث معهما مؤخّرا في إحدى محادثاتهما، حين قالت لها رولا غاضبة : آه لو تمكّنت من حجز تذكرة أوّل طائرة قادمة لبلدك، كنت أوْسعتُكِ ضربا، رغمًا عنكِ أنت كاتبة بل وشاعرة متميزة، تلك الاستثنائيّة الّتي تسكنك صاحبة الفكر العميق والحسّ المرهف الصّادق ستظلّ تستغيث بداخلك لتطلقي لها العنان، أنت شخصيّة قويّة تؤثّر في واقعها كيف تتوارين في الظّل؟! وذات روح متحدّية ومحاربة لا تعرف الاستسلام، كيف تتنازلين عن موهبتك الرّائعة ورسالتك السّامية بهذه السّهولة؟! قلمك أمانة ورسالة بين يديك!
بعد تلك الضّحكة المسلّية، فجأة تستعيد كاتبتنا جدّيتها ليتحوّل نقاشهما لجدل عميق وعقيم في آن واحد..
حاولت مرارا إقناعها بدوافعها لكن دون جدوى، فصديقتها من وراء البحار والمحيطات تحسّ بها كثيرا وتعرفها وتفهمها أكثر، وتدرك جيّدا قوّة شخصيّتها الاستثنائيّة وإمكاناتها الفائقة الّتي لم تستثمرها بعد كما ينبغي لها أن تفعل.
رولا أتعلمين معنى أن أكون كاتبة؟!
أن أكون كاتبة يعني أن أحمل رسالة وهما وأمانة تثقل كاهلي.
أن أكون كاتبة يعني أن أكون أرقى وأنقى، يعني أن أشعر وأحسّ بذاتي وبالآخرين وبكلّ شيء أكثر، أن أتألّم أكثر لكلّ مايحدث معي ومع غيري.
أن أكون كاتبة يعني أن أرهق تفكيري بكلّ ما يدور حولي وأحمل همّه، أن تتملّكني الرّغبة لإحداث تغيير للأفضل في كلّ ما هو سلبيّ في مجتمعيّ.
أن أكون كاتبة يعني أن أملك الجسارة للكتابة والتّطرّق لكلّ ما يثير ويستفزّ حفيظتي من مواضيع شائكة وظواهر منافية للقيم والأخلاق دون أن أخاف لومة لائم وأن أتحمّل تبِعات ذلك ولا أكثرث لشيء.
أن أكون كاتبة يعني أن أحمل مشعل الفكر النّيّر والأدب، أن أكون صالحة ومصلحة وقدوة تؤثّر بشكل إيجابيّ فيمن يقرأ لها.
أن أكون كاتبة يعني أن أتعرّض لكثير ممّا لايروقني من السّلبيات الّتي صارت تطغى على السّاحة الأدبيّة، لا سيما على منصّات ومواقع التّواصل الاجتماعي،وأن أتعرّض للعقبات ولبعض مرضى النّفوس من الحقودين، ولربّما اعترضتني حوادث وأمور غريبة ومكائد قد تكسر وتشلّ عزيمة كاتبة صاعدة مثلي في مستهلّ مشوارها.
أن أكون كاتبة يعني أن أكون حالمة وعاطفيّة أكثر، أن أنسج عوالم خياليّة تدثّرها حُلّة المثاليّة والرّقيّ، أغزلها بخيوط من وهم ثمّ أصدّق بوجودها!
لا أريد ذلك كلّه!
أريد مسايرة الحياة بقسوتها وتقبّل الواقع من حولي كما هو دون لمسات قلمي الحالمة ودون ارتداء نظّارتي الورديّة.
أودّ لو أصبح واقعيّة جدًّا، متبلّدة الشّعور والإحساس قاسية بتطرّف كما هذا العالم الّذي نحيا فيه.
لا أريد أن أكون أطيب وأنقى وأرقى ممّا أنا عليه رولا..
لا أريد أن أكون كاتبة! صديقتي.
الكاتبة … زينة لعجيمي / الجزائر







































Discussion about this post