بتنهيدة من غزّة، أكتب :
“شريط أبيض”
لم أكن أنام.
كنت أدرّب جفني على التظاهر.
في الليل، كانت أمي ترسم على جبهتي علامة صغيرة.
كنت أسألها:
— “ما هذه؟”
فتقول:
— “طريق العودة، إن تهت.”
ثم تموت.
ليست المرة الأولى. تموت كل ليلة وتعود في الصباح.
أغسل وجهها، ترتدي صوتها، وتعدّ لي شطيرة خيال.
***
ذات غارة، سقط سقف المطبخ، فبقيت رائحة الخبز معلّقة في الهواء.
ضحكت.
ضحكت حتى خفت أن يسمعني القناص.
لكن القناص كان نائمًا في عين طفلٍ على الجدار.
عين مفتوحة كأنها لن تنغلق.
***
كان لديّ شريط أبيض، ربطت به معصمي كي لا أطير.
قالوا إن الموت خفيف، وإن الأرواح تطير من أماكن صغيرة، مثل حنجرة أو دمع.
فربطت معصمي، وجلست في الزاوية.
أنا لا أريد أن أموت. فقط… أريد أن أبقى هنا، حيث قالت أمي إن الطريق يبدأ من جبهتي.
***
في اليوم الخامس، دخلت القطة. كانت تمشي فوق الركام كأنها ملكة.
اقتربت، لحست أصابعي، ثم جلست.
قلت لها:
— “هل رأيت أمي؟”
فرفعت ذيلها، ومشت.
مشيت خلفها.
عبرت الحارة، والأنقاض، والأجساد الملقاة كفواصل بين فصلين.
ثم وقفت القطة أمام حائط نصف محترق، خُطّ عليه بالفحم:
“الدم لا يُمحى بالماء، بل بالحياة.”
***
رجعتُ إلى الزاوية، فتحت دفتر الرسم، وبدأت أرسم أمي من جديد.
لم أبدأ بالوجه.
بدأت باليد.
كانت يدها تدلّ دائما على شيء.
وفي هذه المرة، كانت تشير نحوي.
Discussion about this post