قراءة لقصيدتي “أنا آخر أنثى بلورية”
من ديواني الثاني “صمت كصلوات مفقودة” الصّادر في أواخر 2018 بقلم النّاقد عمرو حسن من مصر مشكور على تفضله وكرمه واهتمامه:
ا——-&—–ا
هذه القصيدة تمضي على جسد اللغة كأنّها نسمة، وكأنّ الشّاعرة لا تكتب بالحروف بل بالضّوء، بالشّفافية، بذلك التّوهّج الهادئ الّذي لا يصرخ لكنّه لا يُنسى. في “أنا آخر أنثى بلورية” لا نسمع صوت امرأة فقط، بل نسمع صدى كائن نادر يكتب ذاته من الدّاخل، لا ليقول إنّه مختلف، بل ليُشعرنا نحن أن اختلافه هو المألوف الّذي نسيناه.
القصيدة ليست تمرينًا على التّجميل اللفظي، بل هي بوح محكوم بطاقة داخليّة نقيّة، متوهّجة بالحبّ، مشتعلة بالشّوق، متصالحة مع التّناقض الجميل في الكائن الأنثوي الّذي يريد، ويتوق، ويشتعل، ويصمت في آن.
كلّ صورة فيها ليست مجرّد وصف عاطفي، بل هي خطوة في تشكيل هويّة أنثويّة ترى الحبّ كطقس من الطّهارة، لا من الانكسار، كامتداد نوراني، لا كخضوع.
في النّص نكتشف أنّ “الأنثى البلورية” ليست أنثى هشّة، بل كائن صافٍ لدرجة أنّ كلّ جرح يمرّ بها يترك ضوءًا لا ندبة. لا تخاف من الانكشاف، بل تُراهن عليه، وتستخدمه لخلق مساحات من التّأمّل الحسيّ والروحيّ معًا.
سُليمى السرايري لا تخاطب رجلاً، بل تحضر به وإليه، تجعله مركز دورانها لا لتدور حوله، بل لتصنع من حضوره فكرة شعريّة عابرة للعادة. صوتها كأنثى لا يعتذر عن رغبته، ولا يُخفي اشتياقه، بل يكتبه كما هو: عارياً، عاشقاً، صادقاً. وهذا هو عمق الجمال، أن تُمنح اللغة مساحة لتكون جسدًا آخر، تتنفّس به المرأة وتتجلّى.
هذه القصيدة ليست مجرّد قطعة أدبيّة، إنّها مرآة من ياسمين، تنظر فيها الأنثى إلى ذاتها، وترى انعكاس الحبّ وقد صار مطرًا داخليًّا، وضوءًا لا يعرف سوى أن يشفّ، لا أن يحترق. وسُليمى، في كلّ هذا، ليست مجرّد شاعرة، بل شاهدة على نبض مختلف، أنثى تكتب لتُبقي الوهج حيًّا، لأطول مدى ممكن.
ا——-&——ا
نص القصيدة: “أنا آخر أنثى بلورية” – سُليمى السرايري
ا–ا
وجهه هناك…
فوق ليالي السنة الباردة
يُنشد أغنية من فضّة الجنوب
كم انتظرتُ وجهه صحوًا
منذ أُسّستْ مدن العشق…
ضحكته الغريبة، كعصفورة صباحيّة
تؤلّف أغانٍ أبديّة
تعلّمني كيف أفتح المدى للبحر
كيف أصنع من دمعاتي المبلّلة بالضياء، نجمات
كلّما أحببته أضيء أكثر…
وكيف من أوراقي أصنع سفنًا تحملني إليه…
إلى الآن، ما زلتُ أتساقطُ على كفّه المعطّرة
بالعشق والياسمين
كلّما جفّت سُحبي
كلّما توارى ليلي خلف الغيوم…
هناك في عتمةٍ متعبةٍ، ألمحهُ
يعزف لحنًا شبقيًّا
يفتح أزرار ضياعي
فأعلو… إلى سمائه…
لتصير شفاهي بلون الشفق
وقبلته بطعم الأعشابِ الجبليّة…
ملامحه المريحة تتسلل بين أصابعي
تتراقص في غفوتي الحالمة به
يا رجلًا يهيئ لي أمسيات من حنين
أنصت جيّدًا لأهازيجي المليئة بالصدف
بحروف تلمعُ
بطيور من كريستال، تضيء…
هناك الأبديّةُ تركض نحو مرافئك
وكلمات تتكوّنُ باسمك…
املأ من غربتي كفّك
وخذني إليك
فأنا آخر أنثى بلوريّة
في داخلي حبلُ ضوء يبحثُ عنك
وفيه ترانيمُ عشق لعينيك. سليمى السرايري







































Discussion about this post