بقلم … راضية عبد الحميد
حكاية لا تنتهي …
بعض من المساء، كان الليل قد بدأ يرخي سُدوله ولبس ثوبه الأسود، جلستُ بالقرب من مدفأة الحطب أحتسي كوب الشّاي السّاخن الّذي يتصاعد منه الدّخان، أسدلتُ جفوني وطفقت أستمتع بمذاقه الرّائع، وأُنصتُ إلى صوت النّار وهي تحرق حُزمة الأخشاب. الأشجار العارية تتراقص فوق فروعها على جانبيّ الطّريق، صوت الرّياح الهوجاء وأنا أحِنُّ لذكرياتي القديمة، عادت لتعذّبني، فأسلمتُ نفسي إلى مقعد اسفنجي وأسندتُ رأسي إلى يدي، وإذا بي أهيمُ في جو المشاعر، ومضيتُ أنعمُ في سكرةِ الحبّ إذ أضاءت أساريري وانفرجت ابتسامتي، تذكّرتُ ذلك اليوم الّذي سألتني فيه:
– مريم، هل أنتِ من فطر قلب عبد العزيز؟
قلتُ والخجل يعتصر وجهي:
– نعم، واندفعتُ بحماس غير مألوف! وانطلقت الضّحكات.
ساد الصّمت وتلاقت مآقينا تسرد بثواني لُغة الحبّ الصّامت خجلًا حيناً، ولهفةً تركت أثرها على أنفاسنا
ليقاطع دوّامتها صوتك:
– حقًّا، أنا لا أستطيع أن أحيا بدونك.
– ولا أنا.
واليوم مرّت سنة كاملة على فراقنا.
أصبحت اللهفة دمعة حائرة.
والأنفاس تتلملمُ لتخرج تنهيدة.
لم أتصوّر يوما أنّنا سنفترق!
ولم أتخيّل أبدًا ولو للحظة أن أكون لأحد سِواك!
لقد اجتمع حزن العالم في قلبي منذ ذهابك بعيدا وغيابك أغرقني في لُجّة أفكار حتّى أوصلني للقعر، تتمزّقُ الأيام في كبدي ويُعوي ذئب الحنين في غابات روحي فلا أجد غير الصّدى، عيوني تُمطر دمعًا مذ رحلت، كلّ شيء منفصل عنّي، أنا لست بداخلي يا عبد العزيز.
كُلّما بحثتُ عنّي وجدتُني أرقُبُ المارّة أتفرّس فيهم عن ملامحك ، ربّما طيف منك يمرّ بجانبي، أو يزورني ليلًا في الحُلم.
كنت لي الرّاحة الّتي أقتلُ بها أحزاني.
كنت الصّدر الّذي أحتمي به.
فهلا أعدتني إليّ، رحيلك لا يطاق، حبل بُعدِكَ يخنقي وأنا أترنّح كورقة أنهكها الصّقيع.
لن أتمكّن من الصّمود أكثر، أفهم هذا، أنا لا أستطيع العيش بدونك.
ما فائدة وجودي وأنت لست بجانبي؟!
لم أقتنع بفراقك ولن أقتنع! هناك سؤال يتردّد صداه في عقلي دائمًا، نحن افترقنا وكلّ واحد اختار وِجهته، فما كان مُراد القدر أن جمعنا أوّل مرّة في ذلك الطّريق، أنا ذاهبة للجامعة، وأنت عائد من العمل؟
لماذا اجتمعنا إذاً حتّى نفترق؟!
عانقتنا حكاية غريبة، وانفصلنا لأعذار غريبة أيضا! لطالما شبّهتُ قصّتنا بالموسم الغامض الّذي يتميّز بقِصر أيّامه وطول لياليه، يحمل معه في كلّ ليلة حكاية لا تنتهي، كذلك أنا وأنت كفصل الشّتاء، في هدوءِ الليل، في الدّفء والرّاحة، في غيومه وسحابه، في البرق والرّعد، في الثّلوج والأمطار، في السّماء الصّافية.
أنت لي، لا تسألني كيف وما هذا اليقين، لكنّك لي وحدي!
اذهب كما تشاء، أنت عائد لا محالة.
بقلم … راضية عبد الحميد
Discussion about this post