أعتقد
بقلم/ ناريمان حسن
أنّني تحايلت على نفسي كثيرًا
حتّى أحيا. إنّني منذ البداية لم أشأ الاستمرار
على هذه الأرض، داخل هذه الرّقعة،
ضمن هذه القوانين واللوائح والشّعارات.
رفضتها بفطرتي دون معرفة جدواها،
رغبت في خنق الحياة في صدري،
ولجأت إلى المسكّنات دون التّطرّق لماهيّتها وكم ستكون فعالّة ومجدية.
أردت أن أُؤخذ برياح الحرّيّة الخفيفة،
واليقين أنّ لا بدّ للنهايات أن تكون عادلة.
أردت أن ينقشع الليل ببطء،
وأن يجيء النّهار ويأخذني من إصبعي الصّغير
كما يأخذ الآباء أصابع أطفالهم.
أردت أن يأتي الرّبيع
ونحن نهدهد رغباتنا على كرسيّ متحرك
لا يذكرنا بالضّرورة بعبثيّتها ولا جدواها.
ماذا سأفعل الآن أكثر؟
والحقائق أمامي عارية
الفرص أضعتها مرّات
ومرّات! الشّريان الّذي منحته فرصة
في ألّا أهدر دمه في حوض
الاستحمام، يقفز
وكأنّه يستنكر حقيقة القضاء
عليه، وكأنّه يقيم حفلاً تنكّريًا
ويراهن متى تمامًا سأباشر
في كشفه.
أراهن دائمًا على الحياة وأهزم
على الأشخاص وأسقط، على الإنسانيّة
وأهدر وأهدر بقسوة محلول
على صخرة،
من سيقيم عزاء لنا وكلّنا مصفّقون
ومتفرّجون؟
في هذا السّيرك المضنيّ
الجميع ثرثارون،
من يقف دقائق صمت على ذكرانا.
عدت من جديد
لدوّامة الأسئلة، لكن لا أحد الآن
أطرح عليه تساؤلاتي
أعرف أنّني سبق وأن اختنقت فيها
أعرف طعم العلقم
أعرف كيف يتسلّل الموت فجرًا
إلى ديارك، أعرفه
عندما ينظر إليك متحدّثًا لغتك، أليس من المفترض
أنّها خلاص للإنسان؟
أعرف كيف يخلّف أمامك جثثًا
تخشى الاقتراب منها من هول الصّدمة
أليس من المفترض
أن تأخذ جثّتك الملوّثة، عينيك المفتوحتين
كعيني غراب وتمضي بهما بعيدًا
بدلاً من أن تفكّر أين تأخذ موتاك
المركونين أمامك كالذّباب!
أيّتها الحياة، أيّتها الزّانية
استسلمت لك منذ اليوم الأوّل
دون مقاومة، كمثل امرأة
تعلن استسلامها لوحش في ليلتها الأولى
فيتركها متألّمة ونازفة
بعد أن أحرز بها كلّ صفقاته وأهدافه الخاسرة
كمثل امرأة مدركة لخساراتها
وانكساراتها،
لماذا تركتني إذًا وألحقتني بهذا القطار
الّذي يتسارع الكبار إليه
ليبدوا بكلّ هذا الفتور، دمى تراهن
على انحلالها وتلاشيها
في الأسيد الكونيّ.
ناريمان حسن
Discussion about this post