علبة الكبريت
بقلم/ سليمة مالكي
من بداية حياتها وهي تعيش لخدمة الآخرين ، أمّها رَبَّتْهَا على ذلك كانت تقول لها لا ترفعي رأسك ولا تجادلي اسمعي الكلام وسَيُحِبُّونكِ كّلهم المهم رضاهم و هي كانت تُنَفِّذ كلّ كلامها ،والدتها كانت تظنّ أنّها فهمت الكلام لكنّها لم تكن تعرف أنّها تحبّها وتريد رضاها هي و والدها القاسي وكلّ ما كانت تفعله لإرضاء الآخرين كان لأجلها هي ….مرّت السّنين و لم تعد تلك الطّفلة الصّغيرة ولكنّها بقيت على سذاجتها وركضها لارضاء الجميع حتّى رحل القاسي من الحياة توفي والدها ورَأَتْ أمّها تنكسر وتتحوّل الى شظايا ….
صراع على الميراث ،وأحزاب تتجمّع وتنحلّ تحالفات وملاسنات ولم تصمد المسكينة طويلا لترحل و ينقلب عالمها الّذي لم يكن ورديّا لكنّه على الأقل كان عالما قائما حقيقيًّا و موجودا .
بعد وفاة أمّها بأيّام استدعاها أخوها كبيرهم والكلّ كانوا موجودين زوجاتهم وأخواتها وأزواجهم و الأطفال أيضا
و النّظرات كانت غريبة ، ابتسامات ساخرة و أخرى شامتة ليسود صمت رهيب وتقف هي بينهم تنتظر الحكم و لا تعي تهمتها بعد …لينطق أخوها أخيرا ويقول
****كنّا ساكتين من أجل أمّي ولكن الآن رحلت وكلّنا ضدّ فكرة بقائك معنا هنا بالنّهاية أنت غريبة البنات يجمعون لك بعض أغراضك وغادري البيت الآن حالا .
أخذت وقتا لتستوعب بل لتُتَرْجِم الكلام الّذي لم تفهمه !! لتقول كالبلهاء ..
**أخي أنت تمزح معي ؟!
لكنّه نظر الى زوجته الّتي كانت تبدو مستاءة ونهض من مكانه وأعاد الكلام بلهجة أعنف
****ما الّذي لم تفهميه لا تقولي أنّك لا تعرفين أنت لقيطة وجدناك بقمامة بيتنا وأمي سامحها الله احتفظت بك والآن ستعودين من حيث أتيت لمكانك الطّبيعي ، أنت غريبة أتريدين أن نُرَبِّي أولادنا مع لقيطة ……
وما هي إلّا لحظات ليمسكها من ذراعها ويناولها كيس قمامة فيه بعض ملابسها ويرمي بها خارج البيت .
كانت الشّمس تجمع خيوطها الأخيرة لترحل وبليالي الشّتاء ينزل الظّلام بسرعة لتجد نفسها بالشّارع من قال أنّ البرد والجوع صعب لا يعرف عن الأذى النّفسيّ والرّوحيّ شيئا احتضنت كيس القمامة بكلّ قوتها وكأنّه آخر ما يربطها بحياتها السّابقة وبدأت تمشي بلا وجهة ….
**هذا أخي وهم عائلتي كيف فعلوا ذلك ؟! توقّفت للحظة كأنّها بدأت تستوعب القصّة !!
** لا أنا غبية وضحكت ضحكة هيستيريّة لتجيب على نفسها
**ولكنّهم ليسوا عائلتي ؟! عائلتي الحقيقية رمت بي في القمامة وأنا رضيعة !! لا لا هؤلاء أرحم رموا بي وأنا أحمل كيس القمامة لا وأنا داخله ..!! لتنفجر بضحكة دوّت بالمكان ….يقترب منها شابين لمحاها لوحدها وبدت كفريسة سهلة ، اقتربا وعرضا عليها المال ولكنّها هجمت عليهما كالوحش الكاسر لم تترك حجرا ولا كيسا للقمامة إلّا و ضربتهم به وبكلّ ما طالته يداها وهي تشتم وتصرخ بكلّ قوتها حتى خافا وابتعدا …..
لتسقط أرضا وتنهار من البكاء وهي تصرخ وتمزّق كيس القمامة الّذي أعطاه لها أخوها وتنظر للسماء لمن تشكو ومن تشكو ؟! وأين ستذهب تذكّرت أمّها وهي تقول …
__ لا ترفعي رأسك أبدا كوني مطيعة !!
لتنفجر غاضبة…
___ لمَ يا أمّي فعلت بي هذا وأنت تعرفين نهايتي ؟؟! ،
لمَ لم تعلمّيني أن أقاتل أن أدافع عن نفسي أن آخذ حقّي من الدّنيا ؟
__ لمَ لم تتركيني بكيس القمامة لأموت..!!
__من أنت لتتدخّلي بالقدر وتؤجّلي موتي ….؟
كانت تمطر بغزارة اختلط نحيبها بصخب العاصفة و امتزجت دموعها بالمطر كانت تبكي وتصرخ وسكتت فجأة لتنهض وتمشي الى أن وصلت للمقبرة دخلت لتصطدم بعتمة قاتلة و ظلال القبور ، كانت خائفة لتتحسّس حائط المقبرة وتَلِجَ الى الدّاخل أين يوجد مصباح ضئيل يضيء الخارج لتخونها قدماها وتنهار مسندة ظهرها للحائط كانت روحها هي الّتي تؤلمها لم يكن وجعًا عاديًا ، اختلط الخوف و الوحدة بشعور الخذلان والقهر مع الغضب والرّهبة من المكان كانت كلّ هذه المشاعر تكسرها ودرجات الحرارة تنحدر تدريجيا ، تبلّلت بالكامل وأحسّت بالضّعف للحظة تذكّرت قصّة بائعة الكبريت كم حسدتها على علبة الكبريت الّتي لا تملكها الآن …
دموعها لم تكن تتوقّف بكت حتّى لم تعد ترى وشعرت برغبة شديدة بالنّوم ….
تحسّست بيدها لتجد أكياسا أمامها حاولت أن تلفّها عليها واستسلمت للنوم …
في صباح اليوم التّالي تفاجأ حارس المقبرة بفتاة بمقتبل العمر
ملفوفة بأكياس القمامة جثّة هامدة
لتأتي الشّرطة والاسعاف وينقلوها الى المستشفى غادرت الحياة كما جاءتها أوّل مرة لترتاح وتريح الجميع .
بقلم سليمة مالكي
نور القمر
03/03/2025′
Discussion about this post