تواجدت الأفران بالمناطق السّكنية باعتبار الخبز مادّة ضروريّة ويوميّة، وعلى هذا الأساس يوجد فرن في كل مجمع سكنيّ أو درب، وذلك حرصًا على خدمة المنازل الموجودة. حيث يتحكّم عدد الدّور في عدد الأفران، ويكون حجم الفرن حسب الموقع المتمركز به أو السّاحة المخصّصة له. ومن الميزات الًتي يمكن ذكرها أنّ الفرن يُعتبر من العلامات البارزة والمهمّة للمجتمع الحضريّ، إذ لا وجود له بالرّيف.
والفرن، في المجمل، لا يخلو من العناصر المعماريّة الأساسيّة المتمثّلة في:
1. قاعة استقبال الخبز:
تُعدّ هذه القاعة العنصر الأكبر في الفرن، ويكون الدّخول إليها مباشرة من الباب الرئيسيّ. وقد صُمّمت لإستقبال الزّبائن واستيعاب الأطباق أو الألواح المملوءة بالخبز، وهي ذات مستوى واحد مع أرضيّة الكوشة.
2. مخزن الحطب:
يُعد من الضّروريات الّتي يعتمد عليها صاحب الفرن، ويستلزم تخصيص جزء كبير داخل الفرن لتخزين الحطب، وذلك لتفادي وضعه خارجيًا وتضييق المسالك العامة.
3. الدّكانة:
هو مصطلح يُطلق على المصطبة التي كانت تُصنع من الخشب أو تُبنى من الآجر، وترتفع عن الأرضيّة بحوالي متر واحد. يقتصر دورها على استقبال ما يخرج من الكوشة بعد نضجه، ليُسلّم مباشرة إلى أصحابه. كما يستغل الطّراح الدّكانة لوضع الأدوات الّتي يحتاجها في عمله اليوميّ.
4. الحفرة:
هي عبارة عن خندق يصل إلى خصر الطّراح، يقع أمام باب الكوشة مباشرة. خُصّص لوقوف الطّراح بداخله حتّى يتمكّن من العمل براحة وأخذ الخبز دون انحناء أو دفعه إلى داخل الكوشة.
تشتهر منطقة تلمسان بطقوس و عادات تجعلها مميّزة في الغرب الجزائريّ. غير أنّ البعض من العائلات تخلّت عن هذه التّقاليد الّتي ظلّت راسخة لعقود من الزّمن بعد أن هبّت عليها رياح العصرنة و لم تذر منها إلّا الشّيء القليل… ومنها الفرن التّقليديّ أو ما يعرف بطهي الخبز عند الفرّان. كانت قديما مهام الأسرة التّلمسانيّة مقسّمة بين أفراد العائلة في تحضير الخبز، حيث تبدأ النّسوة كل صباح باكر بعجن الخبز و تحضيره قبل وضعه في مكان دافئ، بعدها يأتي دور الأطفال لنقل صينيّة الخبز إلى الفرّان الّذي يستعمل فرنا تقليديّا قاعدته من الأحجار أو الفحم و هناك من يسميه بالفرن الروماني. ويوجد بوسط الأحياء القديمة لتلمسان لا يزال يعبق بذكريات زمان …وتتداول عليه العائلات لطهي الخبز، فهذه الحرفة “لا يمكن لها الزّوال بشكل نهائي لأن الأسر الجزائرية بصفة عامة، تحتاج لوجود الخبز داخل منازلها و أنّ النّاس لن تتخلّى على خبز الدّار لأنّه مناسب للجيب و للصحة، كما أنّ الخبز الّذي تبيعه المخابز لا يتمّ طهيه جيّدا، ففرن الغاز و الكهرباء لا تمنح الخبز اللّذة الّتي يوفّرها الحطب الطّبيعي و الطّهي المتمهّل فوق السّطح الطّيني للفرن التّقليديّ “.
كانت العائلات تتزاحم على الفرن لطهو الخبز التقليديّ والحلويّات التي تشتهر بها تلمسان، مثل الكعك، وحلويات العصارة” وهو نوع من الحلويّات التقليدية الصنع.
على نفس القدر فإن “الفران” أو الفرن التّقليدي للرحيبة لا يعيش إلا بفضل أصحاب أكشاك الحلويّات الّذين يطهون فيه الحلوى التّقليدية “الشّامية” وهي حلوى شعبيّة خاصّة بشهر رمضان مصنوعة بالسّميد بالإضافة إلى تحميص الفول السّوداني وبعض المكسّرات الأخرى.
فطهو الخبز الُذي كان يحضره السّكان في منازلهم كان أهمّ نشاط للفرّان الرّئيسي ذهب من غير رجعة فالأشياء تغيرت و العادات و الزمن أيضا إذ أنّ الخبز لم يعد يصنع في المنزل فإنه أصبح يشترى عند أصحاب المخابز أو المحلّات التّجارية و أصبح استخدام الفرن على فترات متقطّعة سواء لطهو الحلويّات الخاصّة بعيد الفطر أو اللّحوم خلال عيد الأضحى.
وبموقعه في السّاحة المركزيّة” للطحطاحة” و هي فضاء عمومي بالرحيبة قدّم هذا الفرن خدمات كبيرة للسّكان إذ صنع بهذا المكان مختلف أنواع الخبز متعدد الأحجام والأشكال والنّكهات وهو الشّيء الّذي أعطى طعما مثاليّا لهذا العنصر الأساسيّ في المائدة الجزائريّة.
وعلى الرّغم من كل هذا الترك و الهجران إلّا أنّ الفرن لا يزال يعمل بالحطب لطهي الخبز لبعض الزّبائن “النّادرين” الّذين لا يزالون يطلبون الخبز التّقليدي من الفرن. وفي هذا الصّدد قلّة هؤلاء الزّبائن الّذين يتمسّكون بالفرن .
.
يستقبل الفرن أطباق العائلات التلمسانية، وقطع لحم الضأن والدجاج في المناسبات الدّينية والاجتماعية، كما هو الحال في المولد النبوي.
“رغم تطوّر الحياة إلّا أنّ هناك العديد من العائلات الّتي تفضل الشّواء في فرن الحطب في مناسباتها الاجتماعيّة مثل الأعراس”.
تحمل ملامح الفرن بصمات الماضي حيث لا ألوان فيها سوى الأبيض والأسود، لكن برائحة الشواء والفلافل وحلويّات العيد وكلّ الأشياء الجميلة اللّذيذة.
Discussion about this post