بعدها اكتشفت
معجزة نجيبة
بقلم/ بشرى دلهوم
في مدينة صغيرة، حيث تغفو الأحلام قبل أن تولد، وُلدت نجيبة، فتاة مختلفة عن الجميع. لم تكن مثل أقرانها؛ لم تكن تضحك عندما يضحكون، ولا تتحدّث عندما يتحدّثون. كانت تعيش في عالمها الخاص، حيث الأصوات همسات، والألوان مشاعر، والأرقام نبضات قلب.
اكتشف والداها إصابتها بالتّوحّد في سن مبكّرة، وكان ذلك كالصّاعقة عليهما. حاولت والدتها، بدموعها المكبوتة، تعليمها النّطق، بينما كان والدها يمضي الليالي يقرأ عن طرق العلاج. لكنّ نجيبة كانت تفضّل الصّمت، وتجد راحتها في ترتيب المكعبات وفق أنماط هندسيّة معقّدة، لا يفهمها أحد سواها.
في المدرسة، كانت المعلمة تشفق عليها، والطّلاب يسخرون منها. لم تكن قادرة على التّواصل معهم، لكن عقلها كان يشعّ عبقرية صامتة. في سنّ العاشرة، فاجأت الجميع بحلّ معادلات رياضيّة معقّدة لا يستطيع حتّى المعلمين حلّها. أدرك والداها أنّ طفلتهما ليست مجرّد فتاة تعاني من التّوحّد، بل عقل استثنائي يختبئ خلف ستار العزلة.
مرّتِ السّنوات، ونجيبة غاصت في عالم الأرقام والنّظريّات. لم تكن تحتاج إلى معلمين، كانت الرّياضيّات لغّتها، والفيزياء موطنها. في سنّ السّادسة عشرة، اكتشفت معادلة فيزيائيّة قد تغير مفهوم الطّاقة إلى الأبد. لم يكن أحد يصدّق أنّ فتاة صامتة، بالكاد تنظر في عيون الآخرين، يمكنها حلّ معضلة عجز عنها العلماء لعقود.
انتشرت أخبارها كالنّار في الهشيم، وصارت حديث الصّحف والمجلّات. تلقّت دعوات من أكبر الجامعات، وحصلت على منحة دراسيّة كاملة في جامعة مرموقة. هناك، وسط قاعات مليئة بالعلماء والباحثين، وقفت لأوّل مرّة أمام جمهور من الآلاف. أمسكت بالميكروفون، وقلبها يخفق بقوّة. نظر الجميع إليها بترقّب، وتوقّعوا صمتًا مديدًا، لكن نجيبة تكّلمت، بصوت ثابت، وقالت:
“أنا لست معجزة، أنا فقط أرى العالم بطريقة مختلفة.”
تلك الليلة، تغيّر التّاريخ. أصبحت نجيبة أصغر عالمة تحصل على جائزة نوبل في الفيزياء، وشُبّهت بآينشتاين وستيفن هوكينغ. لكنّها، على عكس الجميع، لم تهتمّ بالألقاب. جلّ ما أرادته هو أن يراها العالم كما هي، فتاة تعيش في عالمها الخاص، لكنّه ليس أقلّ جمالًا من عالمهم.
وفي نهاية المطاف، لم تكن المعجزة في نجيبة وحدها، بل في العالم الّذي بدأ يفهم أنّ الاختلاف ليس عائقًا، بل بابًا نحو عبقريّة غير متوقّعة.
الكاتبة بشرى دلهوم
Discussion about this post