——–
حدثنا المحامي فارس الكسم وهو رجل مهذارْ ْ، مختص في تزييف
وتلفيق الأخبارْ، وفي هذا المضمار فارس لا يشق له غبارْ قال :
في ليلة هادئة صيفيةْ كنت “أقرقع المتّة مع جارتنا سعديةْ،
وإذ باتصال من العزيز ابو حيدر جويةْ،
وقبل أن أبدأ بالكلام والسّؤالْ.
بادرني و قال :هلمّ إليّ في الحالْ،
فانطلقت نحوه مسرعا كالمجنونْ وقد دارت في رأسي الأفكار و الظّنونْ
متسائلا يا ترى ماذا يريد من لقائنا الميمونْ؟
أضاقت عليه الحيلةْ؟
أم دعاني لنشرب النّرجيلةْ؟
وما أن فتحت البابْ، وقبل معرفة الأسبابْ، بادرني بالجوابْ قائلاً:
ادركني يا حبيبْ, فأنت في الدّهاء عجيبْ، ولم نجد من يجاريك في الفبركة
و صنع الأكاذيبْ.
لقد كثرت المظاهراتْ، فعمّت الأزقة والسّاحاتْ.
ورغم قتلنا للمتظاهرينْ.
والصاق التّهمة بالمندسينْ .
مازالت المظاهرات بالألوفْ، و أكثر النّاس بها شغوفْ .
ولا ندري كيف نتعامل مع القضيّةْ؟ رغم أنّنا وصفناها بمظاهرات طائفيّةْ،
تستهدف الأقليّةْ، هدفها النّيل من وحدتنا الوطنيّةْ، وتهدّد أمن جارتنا الغربيّةْ ،
ونحن كما تعلم متّفقانْ على أن نضمن لحدودها الأمن والأمانْ .
لكن كلّ هذا بات من غير جدوى!
مع أن مفتينا أبو شالوم. أصدر بحرمتها ألف فتوى!
فهل لديك من وصفة سحريّةْ، تسعف بها قيادتنا الأقلويّةْ،
فقلت الأمر بسيطْ، و مقارنة بما فعلناه كقطرة في محيطْ.
وكلّ شيء أدرجناه في الحسبانْ، هناك مؤامرة كونيّة يقودها حمد وبندر بن سلطانْ ،
نقوم بتفجيرات إرهابيّةْ، ونتّهم فيها عصابات تكفيريّة مدعومة من جهات أجنبيًةْ،
فضحك أبو حيدر حتّى بدت نواجذه،
وقال: “بوركت يا فارسَ الفرسانْ،
من أين أتيت بهذا الزّور و البهتانْ!
هكذا عهدتك، في النّباهة سريعْ،
وفي تنفيذ أوامر قيادتنا الحكيمة مطيعْ،
سأقترح اسمك في جداول التّرفيعْ .
فأنت لا تأبه لقلع أظافر الأطفالْ ، ولا يهمّك القيل والقالْ!
ثمّ أردفَ وهو يُمسكُ بيدي ويشدُّ عليها بحرارةٍ: “لكنّنا بحاجةٍ إلى سيناريو متكامل،
حبكةٍ لا تخرُجُ منها الذّئابُ إلا بريئةْ، ولا يبقى للضحايا إلّا أن يكونوا في ساحات الإعدام دريئةْ!”
فقلتُ، وقد علتني ابتسامةُ الواثقِ المغرور: “هيِّئوا المشاهدَ، واسكبوا الدّماءْ،
ووزّعوا الجثث و الأشلاءْ، واهتفوا بالعقيدةِ والولاءْ!
ثم اجعلوا الجثثَ تنطق، ولو على ألسنةِ الخطباءْ!
ضعوا في جيوب الضًحايا بياناتٍ تهديديّةْ، وعملاتٍ أجنبيّةْ،
ودسُّوا في جحورها شعاراتٍ مذهبيّةْ!
وبحركة مفاجئة سريعةْ ،جهزوا الكمرة والمذيعةْ
لنقل المشاهد فورا على التّلفازْ، لنقطع الطّريق على كل صوت نشازْ.
فأخذَ أبو حيدر القلم وراح يدوِّنُ بنهمٍ، كمن أُنزِلَ عليه الوحيُ فجأةً،
وهو يُتمتمُ: “تفجيرانِ اثنانْ،
أحدُهما في حيٍّ البرامكة، والآخرُ في الميدانْ!”
ثمّ رفعَ رأسَهُ وسألني: “لكنْ، ماذا لو لم يصدِّقوا؟ ماذا لو تكلَّمَ شهودُ العيانِ وكذَّبوا
كل ما نروي من رواياتْ، في القنواتِ والبياناتْ؟”
فابتسمتُ ابتسامةَ العارفِ ببواطنِ الأمورِ وقلتُ: “ذاك سهلٌ يسيرْ! فجميع عملائنا
نقدّمهم على أنّهم شهودْ ،
و نعتقل كُلَّ مَن ينطقَ بغيرِ ما نُريدْ،
وليُشاعْ عنهم أنَّهم عملاءٌ أو مغرِّرٌ بهم،
ثم اجعلوا الشّاشاتِ تزدحمُ بالوجوهِ الشّاحبة،
تعترفُ تحت صدماتنا الكهربائيّة أنّها كانت جزءًا من المؤامرةِ الكونيّة!”
ونحرك جيشنا من الفسابكة خلف الشّاشاتْ .
لنشر الأكاذيب والشّائعاتْ
حتّى تصبح رواياتهم من البديهيّات والمسلماتْ.
ولنصنع مرصدا لحقوق الإنسانْ . يقوده حبيبنا أبو سليمانْ. وليغيّر اسمه
لعبدالرّحمنْ، حتّى يبدو عليه الورع والإحسانْ
فأخذَ أبو حيدر يربِّتُ على كتفي، ويهزُّ رأسَه بإعجابٍ وقال: “قد كنتُ أحسبُ نفسي خبيرا، ولكنّك واللهِ سيّدُ الإفك والتّزويرْ!”
فلا عجبَ أن نعيشَ أبداً على عرشِ الدّجلِ واختلاق الأساطيرْ
ثمّ ودَّعني وهو يردّدُ: “يا محامي السّلطةْ،
شكرا لك على اخراجنا من هذه الورطةْ
ولكَ بعدَ النّصرِ قصرٌ موضوع في الخطّةْ!”
وما إن خرجت من المكان، حتّى جلستُ أفكرُ في أعاجيب هذا الزّمانْ،
حيثُ يصبحُ القاتلُ الطّبيب،
والمقتولُ مُجرمًا وقد لفّقت له الذنوبْ،
والكاذبُ فقيهًا، والشّريفُ غريبًا في وطنهِ السّليبْ ،
هكذا تصبح البلدان عندما تديرها عصابة أبو حبيبْ!
—–
عبدالناصر عليوي العبيدي
Discussion about this post