غيث
د. محمد عبد العزيز
في لحظات العجز، حين يطول الانتظار، يأتي غيثك كأملٍ من السّماء، يغسل الرّوح ويغسل الجروح. غيثٌ ليس مجرّد مطر، بل هو لحظة رحمة تتساقط على القلوب المتعبة، تُحيي الأرض من جديد وتُنعش الأرواح الّتي بدأت تذبل تحت وطأة الأيام.
غيثك لا يأتي إلّا حين نكون في أمسّ الحاجة إليه، حينما نعتقد أنّ الظّلام قد غلبنا، فتشرق السّماء وتحتضننا قطراتك كأنّها تضمّنا في أمان. أنت الأمل الّذي يتسلّل بين حنايا الصّمت، وتلك اللمسة الّتي تشفي ما في القلب من كسور.
كما يروي المطر الأرض، غيثك يروي كلّ شيء في داخلي. أنت المظلّة في يومٍ عاصف، وأنت الزّهرة الّتي تنمو في قلب الصّحراء. لا تملك الكلمات أن تعبّر عن عظيم الأثر الّذي تتركه، ولكنّ حضورك كفيل بأن يجعل الدّنيا أجمل وأبسط.
أنت الغيث الّذي نحتاجه لتغسل أيامنا، لتُعيد الفرح لكلّ زاوية في أنفسنا، لتملأ الفراغ الّذي تتركه الأيّام الصّعبة. فغيثك ليس فقط ماءً، بل هو سرّ الحياة ذاته.
غيثك لا يتوقّف عند الأرض فقط، بل يتغلغل في الأعماق، يسري بين شرايين الرّوح كأبجديّة الحياة الّتي لا نحتاج إلّا لقراءتها بصدق. حين يهمس اسمك في الأذان، يتسابق القلب ليدرك أنّ في قدومك خلاصًا، فيسمو في رحلة من الأمل.
في زمنٍ يكتنفه اليأس أحيانًا، يصبح غيثك أكثر من مجرّد مطر. يصبح الوعد أن لا شيء يبقى جافًّا في وجودك. ننسى أنّ هناك جراحًا، ننسى أنّ هناك ألمًا، لأن غيثك يروي كلّ ما فينا، يحوّل الصّحراء الّتي كنّا فيها إلى أرضٍ خصبة، تنبت فيها الزّهور وتستيقظ الأحلام.
أنت غيث القلب حين يذبل، وأنت السّماء حين يغشّيها السّحاب. وفي لحظات الحزن، يظهر غيثك كأملٍ جديد ينبض في الحياة، يذكّرنا أنّ كلّ لحظة صعبة هي فرصة لنموّ شيء أجمل.
لا تقاس الأمطار بكمّيتها، بل بقدرتها على الحياة، وهكذا أنت، غيثٌ لا يُقاس بكثرتك، بل بعمقك، بقدرتك على تحويل الألم إلى جمال، والفراغ إلى امتلاء، والظّلام إلى نور. غيثك ليس عابرًا، بل هو ذلك الّذي يستمرّ في تأثيره، يظلّ في الذّاكرة كما تبقى رائحة المطر في الأرض بعد أن يغادر.
فكلّما طال الجفاف، كلّما زادت حاجتنا إليك، وكلّما شعرت الأرض في قلبك أنّها في أمان، لأنّ غيثك يحمل وعدًا أنّ الحياة لن تتوقّف مهما كانت العواصف.
د. محمد عبد العزيز
Discussion about this post