القربة من الأدوات القديمة الّتي كان يستخدمها كثير من النّاس في منازلهم وفي ترحالهم، وكانوا يهتمّون بها لما لها من فائدة كبيرة في تبريد الماء. خاصّة في فصل الصّيف واشتداد الحرارة، وكانت القرب في القدم بمثابة البرّادات والثّلّاجات في وقتنا الحاضر حيث لا يخلو منها بيت.
وتصنع قرب الماء من جلود البهائم، الغنم أو البقر أو الإبل، وكان الدّباغون يأخذون جلد الخروف المليء بالصّوف فيقلبونه.
ويجعلون الصّوف داخلا، ثم يضعون بداخله تمرا فيغطّى ويُكتم، وهو ما يسمّى بتمار الجلود، ومدة ذلك يوم أو يومين حتى يفسد التّمر ثم يخرجونه وإذا بالصوف يزول ليصبح داخل الجلد كخارجه ليس فيه وجه صوف ووجه لحم، ثم يأتون بهدب شجر الأرطي اليابس فيطبخونه بالماء ثم يسكبون الماء فاترا على الجلد، وهذا يسمّى نفس واحد، فيكون سمكه رقيقا ليبرد الماء ولكن تبقى بعض الثقوب الصغيرة التي ربما لا ترى بالعين المجردة فإذا سكبوا مرة أخرى أصبح نفسين وإذا سكبوا ثالثة أصبح ذا ثلاثة أنفاس فيكون غليظا لا يتسرّب منه الماء، ولكنه بطيء جدا في التّبريد
وتعرف القربة بأنها وسيلة ابتكرها البدو الرّحل لتبريد المياه و تخزين الحليب و اللبن.
ويتم صنعها كما سبق ذكره من جلد البقر أو المعز، لكن يفضل صنعها من جلد الماعز كونه أكثر سمكا و حفاظا على برودة الماء، وقد اعتمد سكان البدو الرّحل على القربة لتبريد الما ونقله من مكان لآخر،حيث تحافظ القربة على برودة الماء مهما كانت درجة حرارة المنطقة، ولا تزال الكثير من العائلات الجزائريّة العريقة تفضّل شرب الماء في القربة في فصل الصّيف، بالرغم من توفّر وسائل التّبريد الحديثة المتطورة كالثلاجات.
وهي تعرف انتشارا كبيرا بمناطق الجنوب لتوفير المياه العذبة للضّيوف، حيث تقوم معظم العائلات بتعليق القربة في فناءات المنازل وتحت الأشجار في الشّوارع وعلى حافة الطّرقات لتوفير الماء للمارّة والمسافرين الذين يقطعون مسافات بين الجنوب والشّمال في الصحراء
يتميّز ماء القربة الّذي يستهوي الكثيرين بمذاقه المميّز ونكهته الّتي يغلب عليها طعم مادّة القطران إلى جانب عذوبته واحتفاظه بدرجة برودة جد مقبولة، لاسيما وإن تمّ وضع القربة في مكان بعيد عن أشعة الشّمس، أو رشها بالماء من فترة لأخرى. هذا ما دفع ببعض سكّان العاصمة والمدن المجاورة لها من أصحاب المحلات إلى الإقبال على شراء ”القربة”، فأغلبهم من المحسنين الّذين يريدون التصدق بالماء على المارّة وأبناء السبيل، بتعليقها إما بمداخل محلاتهم مفضلين إيّاها على الصهاريج البلاستيكية والحديديّة الّتي يتوفّر منها الآن ما هي مزوّدة بمحرّكات كهربائيّة لتحافظ على الماء باردا وبصنابير لتسهيل الاستعمال.
وهم بذلك في حرصهم على اقتناء ”القربة” المعالجة بالقطران الذي يعد مطهرا طبيعيا، إنما يسعون لإتمام حسناتهم بتقديم مياه صحية تساهم في علاج بعض الأمراض، فمياه ”القربة” تعد من أحسن المياه للمصابين بالقرحة المعدية فهي تضاهي المياه المعدنيّة في فوائدها. فصار يعمد الكثير من التّجار وأصحاب المحلّات التّجارية، وحتّى المقاهي عبر أحياء المدن الكبرى وأزقتها، كالمدنية، والقصبة أين تذوقنا البعض منها إلى وضع ”القرب” أمام محلّاتهم في أماكن ظل مغطّاة بقطعة قماش مبلّلة لفائدة المارّة الُذين كثيرا ما يفضّلون ماءها عن كأس ماء من الثّلاجة، وهم يتقبّلون دعوات الخير من طرف المارّة خاصة كبار السن، حيث يعتقد الكثير منهم حسب ما توارثوه عن أجدادهم بأن ماء ”القربة” صحي وذا نكهة خاصّة لا يمكن مقاومته.
وهناك فرق بين ”القربة” والشّكوة فالقربة هي التّسمية الّتي تطلق على الوعاء الجلدي الّذي يستخدم في حفظ الماء باردا ويتميز بنكهتي العرعار والقطران. أما” الشكوة” التي كنا نظن أنها نفسها ”القربة” من باب الغرض منها، فتبين أنها لا تستعمل لنفس الغرض، بل لصناعة اللبن، فهي فعلا تصنع من جلد الماعز لكنها لا تطلى بالقطران ولا تعطر بالعرعار، فبعد ترويب الحليب وطبعا الحليب الطبيعي للماعز أو البقر، يفرغ داخل ”الشكوة” التي تعلق في حامل خاص بها وسط البيت بكميات قليلة وتنطلق النسوة في رجه ذهابا وإيابا إلى أن يصبح لبنا، ويعرف ما إن جهز أو لا من خلال طبقة الزّبدة التي تشكل على فوهة ”الشكوة”. وقيل لنا أن مذاق اللبن الذي يصنع داخل ”الشكوة” لا يوجد ما يقابل طعمه من أنواع ”اللبن” التي تصنع الآن في المصانع الحديثة.
Discussion about this post