في ضوء قنديل قديم، وبين صفحات كتاب، جلست أتأمّل كيف استطاع الأدب أن يلتقط نبض شهر رمضان المبارك ، ليس فقط كزمن للصيام، بل كحالة إنسانيّة وروحانيّة يُعبّر عنها الرّواية، الشّعر، والحكاية الشّعبيّة. كيف تسلّل هذا الشّهر الفضيل إلى وجدان الشّخصيات الأدبيّة؟ وكيف جسّدته الكلمات في مختلف العصور؟
في الأدب العربي، لم يكن رمضان مجرّد خلفيّة زمنيّة، بل عنصرًا سرديًّا يساهم في تطوّر الأحداث والشّخصيّات. في أعمال نجيب محفوظ، خاصّة في الحارة وأحياء القاهرة القديمة، يظهر رمضان من خلال مشاهد الحياة اليوميّة، حيث تتقاطع أصوات الباعة، وروائح الطّعام، واللحظات الرّوحانيّة الّتي تعيشها الشّخصيّات. كان الشّهر الفضيل فرصة لتسليط الضّوء على التّباين بين القيم الدّينيّة والواقع الاجتماعي، ممّا جعل رمضان جزءًا أساسيًّا من الحبكة الرّوائيّة، لا مجرّد خلفيّة زمنيّة.
أمّا في الأدب السّوداني، فقد انعكس رمضان في أعمال الطيب صالح، حيث يظهر في بعض المشاهد كزمن تتجلّى فيه القيم الدّينيّة والثّقافيّة، خصوصًا في المجتمعات التّقليديّة الّتي تعيش تحوّلاتها بين الماضي والحداثة. رمضان هنا لا يقتصر على كونه فترة عبادة، بل لحظة يلتقي فيها الفرد مع نفسه، وسط محيط من التّحديّات الاجتماعيّة والسّياسيّة.
في الشّعر العربي، كان رمضان يثير مشاعر روحيّة تتجسّد في الكلمات. كان الشّعراء يعبّرون عن حالة من الابتهال والتأمّل، مستلهمين الشّهر المبارك ليقدّموا صورًا دينيّة عميقة. ومن أبرز هذه الأبيات الّتي كتبت في رمضان، نجد قصيدة أحمد شوقي الشّهيرة، الّتي يعبّر فيها عن فرحته بنهاية الشّهر الكريم، حيث يقول في مطلعها:
“رمضانُ وَلّى هاتِها يا ساقي
مُشتاقَةً تَسعى إِلى مُشتاقِ”
وقد أثارت هذه القصيدة جدلاً واسعًا، حيث اعتبرها البعض تعبيرًا عن فرحة الشّاعر بانتهاء شهر الصّيام. وفي الرّد على هذه المشاعر، كتب الدكتور جابر قميحة قصيدة معارضة بعنوان “لا يا أمير الشعراء”، قائلاً:
“رمضان ودَّع وهو في الآماق
يا ليته قد دام دون فراقِ”
هذا التّبادل الأدبي بين الشّاعر أحمد شوقي والدّكتور جابر قميحة يعكس تنوّع الآراء والمشاعر المرتبطة بشهر رمضان في الأدب العربي، ويُظهر كيف يمكن أن تكون الأوقات الرّوحيّة مادّةً خصبة للكتابة الأدبيّة والتّعبير عن الانفعالات الشّخصيّة.
في الحكايات الشّعبيّة، كان رمضان دائم الحضور، خاصّة في ألف ليلة وليلة، حيث كانت الحكايات تُروى في المجالس الرّمضانيّة بعد الإفطار. لم يكن الشّهر مجرّد إطار للحكي، بل زمنًا تتجلّى فيه الحكمة والتّسلية، وهو ما حافظت عليه ثقافة الحكواتي في بعض المجتمعات العربيّة حتّى اليوم.
يظهر رمضان في الأدب العربي كأكثر من مجرّد مناسبة دينيّة، فهو فضاء تتقاطع فيه القيم الاجتماعيّة، والتّجارب الرّوحيّة، والممارسات الثّقافيّة. سواء في الرّواية الّتي تصوّر تحوّلات المجتمع، أو في الشّعر الّذي يتغنّى به، أو في الحكايات الّتي تتوارثها الأجيال، يظلّ رمضان تجربة أدبيّة وإنسانيّة متجدّدة.
بقلم الشاعرة : ربيعة بوزناد … المغرب
Discussion about this post