تعتبر صناعة الأواني الفخارية اليدوية من التقاليد الضاربة في القدم و التي هي ذاكرة لإبداع المرأة القبائلية
وتحرص العائلات الجزائريّة على حضور الأواني الفخّاريّة في الشّهر الفضيل، حيث سجّل قِدر الطين حضورا مميزا في المطابخ، كما تعد من القطع المهمة التي تتصدر قائمة أواني شهر رمضان، حيث تصفها نسوة بأنها رفيقة لهن في أيامه، يعتمدن عليها لضمان لذة للأطباق خصوصا «شربة فريك» التي تطبخ بشكل أفضل في القدر الفخارية وتكون رائحتها زكية وقوامها كثيفا وذلك فإن حضور القدر في رمضان ضروري، ولا يكتمل المشهد إلا بصحون من ذات الطين تزين الموائد و تجعل تجربة الأكل أكثر متعة.
إن بقاء هذه الصناعة و ثباتها من حيث طريقة تشكيلها و كيها في الفرن و الأشكال الهندسية التي تزينها تدل على أن هذه الصناعة تعود حسب المختصين إلى عصر المعادن أو إلى فترة النيوليتيك من 6000سنة قبل الميلاد إلى 8000 سنة قبل الميلاد .
تعد الجزائر من بين الدول الرائدة في صناعة الفخار، بحكم طبيعة البحر الأبيض المتوسط، فتكاد لا تخلو منطقة في الجزائر لا تصنع هذا الفخار أو حتى تملكه كديكور للزينة، ومنطقة القبائل هي الرائدة في هذا المجال كون المنطقة جبلية وريفية بسيطة في نمط عيشها.
من دون شك أن كل من يمتهن حرفة الفخار التي تتجلى في صناعة الأواني الفخارية يمتهنها عن حب ولقناعته أنها نوع من الفنون قبل أن تكون تجارة يسعى من ورائها كسب المال الوفير، فحرفة الفخار من الصناعات المتوارثة عن الآباء والأجداد وهي رمز من رموز الثقافة والأصالة الأمازيغية، فعلاقة الحرفي بهذه الحرفة شبيهة بعلاقته مع الأرض التي تربى وعاش فيها .
وتُنظّم عدّة مناطق في الجزائر مهرجانات للأواني الفخّاريّةسنويّا تخصّص فيها أعمال ورشة الأطفال الفخارية وعروض الطهي ويحضرها الزّوّار من كلّ مكان
و يستعمل الحرفيون في تلوين الأواني الفخاريةما يسمى ب «أُسقو» الذي يعطي لونا أسودا و« المغري» وهو عبارة عن حجرة حمراء اللون يتم اقتناؤها من السوق تبلل بالماء، و تضاف إليها كمية من زيت الزيتون حتى تُعطي لمعانا للأواني، بعدها تباشر الحرفية في عملية التلوين بواسطة ريشة مصنوعة من وبر الماعز ، مشكلة رموزا لها دلالات ومعان عدّة
وتتباين الأشكال المرسومة على الأواني الفخارية الأكثر إقبالا خلال السنة الجارية، بين ما هو رسوم أمازيغية ورسوم الطاسيلي (رسوم كهوف طاسيلي الجزائرية العجيبة، التي سجلتها منظمة اليونسكو عام 1982 في قائمة التراث العالم) إلى جانب الخط العربي، وهذا الأخير الذي تعد الأواني المزينة به هي الأكثر غلاء من بين الرسومات الأخرى.
ويُقال إن النساء في القديم يُعرفن بالحياء الشديد ويستعملن تلك الرسومات لنقل أفكارهن والتعبير عما تختلجه صدورهن كتعبير البنت حامل بالرسم، إذا أرادت أن تبلغ الأمر لوالدتها، حيث تضع إحدى الرموز الدالة على ذلك في إحدى الأواني وترسلها لها، كما تعكس تلك الرموز الوضعية النفسية للمرأة سواء كانت حزينة أو فرحة أو كئيبة ولا يمكنها إظهار ذلك علنا خوفا من محيطها العائلي ، وبعد الانتهاء من عملية التلوين تقوم المرأة بجمع الحطب الجاف الذي تجلبه من البرية مع التبن وتفرش طبقة منها لتضع فوقها الأواني الفخارية بعناية فائقة ، وتضيف طبقة أخرى من الخشب ثم تقوم بحرقها مع مراعاة درجة الحرارة حتى لا تتشقق الأواني، بحيث لا يجب أن تكون مرتفعة جدا، و تشارك في عملية إيقاد الأواني الفخارية جميع نساء القرية ، حيث يتحوّل ذلك اليوم إلى شبه مهرجان شعبي ترّدد فيه مختلف الأهازيج الشعبية والقصائد الأمازيغية الخاصة بالحدث، وبعد الانتهاء من هذه المرحلة تترك الأواني لتبرد قبل أن تصبح جاهزة للاستعمال .
بقلم حجاج أول عويشة الجزائر 🇩🇿
Discussion about this post