الوحدة: صديق يخفيه الضّجيج
الوحدة.. ذلك الصّمت الّذي يطنّ في الأذن كأنين ريحٍ عابرة…يأكل القلبَ لقمة لقمة.. كشجرة تتساقط أوراقها في خريف لا ينتهي !إنّها ذلك الفراغ الّذي يضغط على الصّدر…فيذكّرك أنّك وحيد في زحام العالم..كشمعة تُذوب في ظلمةٍ لا تُضيء إلّا نفسها. هنا… تُمسي الوحدة وجعاً يرافق الأنفاس؛ سؤالا بلا جواب، حنينا إلى أصوات غائبة تملأ الفراغ الّذي لا يملؤه شيء!
لكنّ في أعماق هذا الصّمت المُدوّي..وجهٌ آخر يلمع كنجمةٍ في سماءٍ مظلمة. إنّها الوحدة الّتي تفتح أبوابَ الذّات على مصاريعها، تُجبرك على الجلوس مع نفسك؛ لا هروبَ ولا مواربة. هنا…حيث لا صخب يغطّي همس الرّوح…. تبدأ الرّحلة الأعمق: رحلة الاكتشاف. تُلقي الوحدة بك في محيطِ ذاتك فتسبح بين أمواج الأسئلة الوجوديّة…..تُقلّب ذكرياتك كصفحات كتاب قديم.. وتتعلّم أن تسمع صوت قلبك الّذي كان يضيع في الضّجيج. هنا…تولد الإبداعات… وتنمو القوّة…. وتتكشّف الحقائق الّتي كان العالم يسرقها منك بلحظة من صمت.
فهل تكون الوحدة صديقاً؟ نعم!!! حين نتعلّم أن نرتادها دون خوف. إنّها كالماء: إن شربتَ منها باعتدال أروت ظمأ الرّوح…..وإن غرقتَ فيها أغرقتك. هي مرآةُ الذّات الّتي لا ترحم ؛؛تُريك جروحك لتداويها. وتُريك جمالك لتحتضنه. ليست الوحدة عدوّةً ولا حبيبة: بل هي رفيقُ الطّريق الّذي يُعلّمك أن تُصغي إلى نفسك….فتصير الوحدةُ لقاءً مع الذّات… لا فراقاً عن العالم.
في النّهاية….للوحدة وجهان: أحدُهما يُذكّرك أنّك إنسانٌ يحتاج إلى قلوبٍ أخرى؛ والآخر يُذكّرك أنّك إنسانٌ يحتاج إلى قلبه أوّلاً. فكن صديقاً لها…كي لا تكون عدواً.
بقلم يسراال
Discussion about this post