ربناسلسة تسرد
التُّراث الشَّعبي في رمضان
بقلم/ د. دعاء محمود
رمضان شهر الفرحة في كل البلاد، شهر تبتهج النَّفس، وتسر بما فيه من روحانيات.
تتشابه الطُّقوس الرمضانية في كل البلاد، ولكن لكل بلد طقس خاص يميزها عن سائر البلاد.
والآن مع الطُّقوس الرَّمضانية في موريتانيا.
أول ما يُلاحَظ عند الموريتانيين في شهر رمضان اختلافهم في ثبوت هلاله. ذلك أن الدَّولة قد عينت لجنة خاصة لمراقبة الأهِلَّة، للبت في أمر رؤية الهلال. غير أن فريقًا من الناس لا يعبأ بما تصدره تلك اللجنة من قرارات، فلا يصوم إلا حين تثبت رؤية الهلال لديه من خلال أشخاص يثق بعدالتهم وصدقهم ودينهم، أو بتمام شعبان ثلاثين يومًا. وغالب النَّاس هناك يخرجون لالتماس الهلال عملًا بالسُّنَّة.
والشَّعب الموريتاني كغيره من شعوب أهل الإسلام يستقبل شهر الصِّيام بالفرح والابتهاج والسُّرور؛ ومن عبارات التَّهنئة المتعارف عليها هناك قولهم: (مبارك عليكم رمضان) و(الله يعيننا على صيامه وقيامه).
وتكثر في هذا الشَّهر الزِّيارات، وصِلة الأرحام. وتمتلئ المساجد بالشُّيوخ والأطفال والشَّباب والنِّساء، وتقام المحاضرات الدّٓينية في أكثر المساجد.
وعلى الصَّعيد الرَّسمي تقوم الدَّولة بإرسال عشرات الشَّاحنات المحملة بالتُّمور والأرز والقمح والسِّكر والحليب والزُّبدة وغيرها من المواد الاستهلاكية إلى مختلف أنحاء البلاد، ليتم توزيعها في المساجد على الصَّائمين لتساعد في وجبات الإفطار.
وتشرف الجمعيات والمؤسسات الخيرية على توزيع الأطعمة والأغطية على المرضى في المستشفيات، كما يتم تقديم مساعدات مادية لسكان البوادي والمناطق النَّائية.
وللموريتانيين عادات وتقاليد في شهر رمضان؛ منها الاستماع إلى صلاة التراويح منقولة على الهواء مباشرة من الحرمين، ولا عجب في ذلك، إذ ثمة فرق في التَّوقيت بين مكة وموريتانيا يصل إلى ثلاث ساعات، وهم يحسبون أن في ذلك تعويضًا روحًيا عن أداء مناسك العمرة وزيارة المسجد النَّبوي في هذه الفترة… وينهمك بعضهم في تسجيل أشرطة عن الصَّلاة في الحرمين، ويتباهون في تقليد قراءة الشَّيخين: علي الحذيفي، وعبد العزيز بن صالح.
ومن عادات الموريتانيين في مجال العبادة المثابرة على قراءة كتب التَّفسير في المساجد والبيوت، كما تُنظَّم بعض الحلقات لتدريس كتب الحديث، ولا سيما صحيحي البخاري ومسلم. ويتولى أمر هذه الدُّروس عادة أئمة المساجد، أو رجال الدَّعوة، أو طلبة العلم الذين ينشطون خلال هذا الشَّهر المبارك.
ولا يزال النَّاس هناك يحافظون على سُنَّة السُّحور، ومن الأكلات المشهورة على طعام السُّحور ما يسمى عندهم (العيش) وهو (العصيدة) عند أهل السُّودان.
وللموريتانيين عاداتهم في وجبات الإفطار، مثل الحرص على تناول بعض التَّمر، ثم يتناولون حساءً ساخنًا، ويقولون: إن معدة الصَّائم يلائمها السَّاخن في بداية الإفطار أكثر مما يلائمها البارد. ثم يقيمون الصَّلاة في المساجد أو البيوت، وعند الانتهاء منها يشربون شرابًا يسمونه (الزريك) وهو عبارة عن خليط من اللبن الحامض والماء والسُّكر. أما الحلويات فالمشهور عندهم منها التَّمر المدعوك بالزُّبد الطبيعي.
ومن ثَمَّ تأتي وجبة الإفطار الأساسية التي قد تتكون من (اللحم) و(البطاطس) و(الخبز)…والناس هناك تختلف عاداتهم في توقيت هذه الوجبة؛ فمنهم من يتناولها مباشرة بعد الفراغ من صلاة المغرب، ومنهم من يُؤخرها إلى ما بعد صلاة العشاء والتَّراويح، ثم يشربون بعدها الشَّاي الأخضر. والجدير بالذِّكر أن تناول الشَّاي الأخضر لا توقيت له عندهم، بل وقته مفتوح، فهم يشربونه اللَّيل كله، ولا يستثنون منه إلا وقت الصلاة.
والأكلات على طعام الإفطار تختلف من مكان لآخر، ومن الأكلات المشهورة على مائدة الإفطار طعام يسمى (أطاجين) وهو عبارة عن لحم يطبخ مع الخضروات، ويؤدم به مع الخبز.
وتقام صلاة التَّراويح في مساجد البلاد كافة، وتصلى ثماني ركعات في أغلب المساجد، ويحضرها غالبية السُّكان، بينما يصليها العجزة والمسنون في البيوت. وفي ليلة السَّابع والعشرين يُخْتَم القرآن الكريم في أكثر المساجد. وفي البعض الآخر لا يختم القرآن إلا ليلة الثلاثين من رمضان، وبعض المساجد تختم القرآن مرة في كل عشر من رمضان، أي أنها تختم القرآن ثلاث مرات خلال هذا الشَّهر الفضيل.
وتشارك النِّساء في صلاة التَّراويح بشكل ملحوظ. ومن العادات المعهودة عند الموريتانيين في صلاة التَّراويح قراءة الأذكار والأدعية والقرآن بشكل جماعي. أما الدُّروس الدِّينية أثناء صلاة التَّراويح فقلما يُعتنى بها.
ومن العادات عند ختم القرآن في صلاة التَّراويح أن يُحضِر بعض النَّاس إناء فيه ماء ليتفل فيه الإمام، ثم يتبركون بذلك الماء.
وبمجرد الانتهاء من وجبات الإفطار، والفراغ من صلاة التَّراويح يبدأ الناس ينتقلون في أطراف القرية لتبادل الزِّيارات مع الأصدقاء والأحباب، وتجاذب أطراف الحديث، واحتساء (الأتاي) وهو الشاي الأخضر المخلوط بالنِّعناع.
ويحرص الجميع هناك على قيام ليلة القدر وإحيائها بالذِّكر والعبادة، وهم يعتقدون في أغلبهم أنها ليلة السَّابع والعشرين من رمضان. ومن المظاهر المعهودة في صبيحة هذه اللَّيلة التَّسامح والتَّصافي بين النَّاس، والسَّعي إلى الصُّلح والإصلاح بين المتخاصمين والمتنافرين.
وسُنَّة الاعتكاف خلال هذا الشهر تلقى حضورًا من بعض كبار السِّن، ومن بعض الشَّباب الذي ينتهز هذه الفرصة للإقبال على الله وتجديد التَّوبة معه.
وفي هذا الشَّهر يعكف غالب النَّاس على تلاوة القرآن؛ فقد تجد من يختم القرآن كل يوم وليلة. بل قد تجد بعضهم يختم القرآن ثلاث ختمات في يومين. أي بمعدل ختمة في النَّهار ونصف ختمة في اللَّيل.
ومن الجدير ذكره، أن مؤذني تلك البلاد لا يتقيدون بوقت محدد للأذان، خاصة أذان المغرب، وأيضًا إمساكهم عن الطَّعام مبكرًا قبل أذان الفجر.
والجميع هناك يلتزم إخراج زكاة الفطر، والعادة أن يتولى الأفراد ذلك بأنفسهم لعدم وجود جهات رسمية أو خيرية، تتولى أمر جمعها وتوزيعها على مستحقيها. كما يحرص أهل الفضل والسِّعة على إقامة الموائد الرمضانية التي يُدعى إليها الفقراء وذووا الحاجة.
ومن الطَّريف عند أهل موريتانيا اصطلاحاتهم الخاصة في تقسيم أيام الشَّهر المبارك؛ فالمصطلح الشَّعبي عندهم يقسم الشَّهر المبارك إلى ثلاث عشرات: (عشرة الخيول) و(عشرة الجِمال) و(عشرة الحمير) وهم يعنون بهذه التقسيمات: أن العشرة الأولى تمر وتنتهي بسرعة الخيل؛ لعدم استيلاء الملل والكسل على النُّفوس، أما العشرة الثَّانية فإن أيامها أبطأ من الأولى لذلك فهي تمر بسرعة الجمال… ثم تتباطأ الأيام في وتيرتها حتى تهبط إلى سرعة الحمير!!
والوسط الموريتاني لا يخلو من بعض المارقين والخارجين على الأخلاق الرَّمضانية. ح
أعاد الله الشَّهر الفضيل على كل البلاد بالخير واليمن والبركات
الكاتبة الصحفية/ د. دعاء محمود
مصر
دعاءقلب
Discussion about this post