لستُ وحيداً!
وهذه اليدُ التي ظلَّتْ معلَّقةً في الهواء،
مذ لوَّحَتْ لآخرِ شخصٍ صافَحها وغادَر،
تعلَّمتُ أن أخفيها في جيبي،
وأُكمِل ذرعَ الطُّرقاتْ.
تعلَّمتُ ألا أُربِّت بها على أيِّ كتفٍ،
وألَّا أدعَها تنشجُ بأغنياتِ الوداع.
تعلَّمتُ أنْ ألوِيَها حينَ تهمُّ بفتحِ أبوابِ الحنين،
وأنْ أُقلِّمَ ما علِقَ بها من رائحةِ المُصافَحاتْ.
لستُ وحيداً!
كنتُ أُجيدُ التَّحديقَ في الفراغِ
الذي خلَّفَه كلُّ منْ رحلوا،
وما زلتُ أُجيدُ،
غيرَ أنّني زرعتُ في كلِّ ركنٍ
وَردًا أحمَرَ،
وعبَّأتُ ظِلالَهم في قواريرَ من زجاجٍ،
وأودعتُها للموجِ في يومٍ ماطِرْ،
ولا يُهِمُّني إنْ بلغَتهم،
أو إنْ صارَتْ تعُجُّ بالموتِ في قاعِ المُحيطاتْ.
لستُ وحيداً!
كلُّ الرسائلِ التي تصِلُني منهم،
أمنَحُها للبائعِ المُحاذي لبيتِنا،
يضعُ فيها فُشارًا،
وأحيانًا يقرأُ ما كُتبَ فيها
على مسمَعِ الزَّبائنْ،
فَأسمع منهم.. الضَّحكاتْ.
لستُ وحيداً!
كلُّ الأمنيات التي ذرفْناها معاً؛
دُموعاً مضيئةً،
دلقتُها على العتَباتْ،
ورددتُ: لا عودةَ، لا عودةَ لكلِّ من رحلوا.
لستُ وحيداً!
أنا قبرٌ…
والقبرُ معزولٌ،
لا شيءَ يُسمَعُ فيه،
غيرَ ما يُردِّده العابرونَ…
من دَعوات.
نور الدين كويحيا // المغرب.
Discussion about this post