بقلم … ميرفت أبو حمزة
رسالةٌ إلى الله …
_______________
يا سيَدَ الخلقِ وسيدي
يا اللهُ .. يا الّذي مترفعٌ في عليائِه عنّا
يا الّذي يَرانا ولا نراهُ لكنّنا نبصرهُ جيّداً في قلوبِنا المؤمنة
جِئتُكَ مِنْ كلِّ الأبواب والنّوافذ المفتوحةِ على جمالِ خَلقِكَ
من خلفِ الأسوارِ العالية والقضبان
والأسلاكِ الشّائكة
من الحقولِ المسروقةِ والغاباتِ المحروقة
طامعةً بألطافِكَ ..ساجدةً على أعقابِ روحي
أطلبُ الصّفحَ والغفرانَ عن أهلي
الّذينَ يَصطلونَ بنارِ أهلِ الأرض
جِئتُكَ أطلبُ الصّفحَ عَنّي وعَنْ كُلِّ الأمّهاتِ
اللواتي يَنَمْنَ وعُيونهنَّ على الأبوابِ
والدّروبِ المحاصرةِ بالضّياعِ
فلا تحاسبْهنَّ يا اللهُ بقلوبهنَّ
المقسّمةِ بالتّساوي على الأبناءِ
لقد بلغَ الألمُ مِنّا حدَّ الخدرِ
لكنّنا ما زلنا نحسُّ بالوجعِ قبلَ أَنْ يأتي
إلهي .. هُنا في الشّرقِ جَفتْ ينابيع الحبّ ..
تُشرقُ الشّمسُ من خلفِ جبالِ همومنا
وتمرُّ على أجسادِنا
فتجعلُ مِنْ عُشبِنا حصاداً للنارِ وللجرادِ
وعندما تأفلُ تغرقُ في بحرٍ مِنَ الدّماءِ
وكثيراً ما تُصادفُ قواربَنا الهاربةَ مِنَ الموتِ
فتُغرقُها دونَ أَنْ تنتبهَ ليقطفها الفجرُ
على الشّواطئِ الّتي غَصّتْ بالجنائزِ
الله يا الله يا مَنْ خَلقتَنا لغايةِ الحياة
ثمَّةَ مَنْ يَتدخلُ بمشيئتِكَ الإلهيةِ
ويقحمُ الموتَ بينَ تفاصيلِ أيامِنا
يَسلُبُ اللقمةَ مِنْ أفواهِنَا
ويشدُّ مِنْ جلدِنا طبولاً للحربِ
وصَبَرْنا كثيراً يا اللهُ ..صَبَرْنا
على الحكَّامِ والأحكامِ الجائرة
صَبَرْنا على الخوفِ والبردِ والجوعِ
ألَمْ تَقُل بأنَّكَ مع الصّابرينَ
فمتى يا اللهُ ليسَ بإلّاكَ نستعينُ ..؟!
وعن هذا التَشتّتِ والضّياعِ والقتلِ باسمِكَ
لكَ المجدُ يا اللهُ كيفَ ترضى..!
أن يصبحَ اسمُكَ سكِّيناً على الرّقابِ
وأنتَ السّلامُ المُحبُّ اللطيفُ الودودَُ الرّؤوفُ
أنا لا أعترضُ على أمرِكَ العليِّ
لكنَّني أرى الظّلمَ كَماردٍ بينَ الأرضِ والسّماءِ
ألمْ يهتزَّ مِنَ الظّلمِ عرشُكَ
حَاشاكَ ربّي مِنْ حدّةِ الجدالِ
هو الوجعُ يَعصرُنا فَنصرخُ باسمِكَ يا هادي المستجيبينَ متى تَستجيبُ ..؟!
أمواتٌ لا نحيا ..نهزُّ قيامتَنا فتأخذُنا فلسفةُ الحياة
وتُبيحُ لنا العبثَ بدوائرِ الشّكِ كي نَبلغَ اليقينَ
ميَّزْتَنا يا اللهُ عن سائرِ الأحياءِ بعقولِنا
فكيفَ لنا ألاَّ نتبعَ التّأويلَ في مجازِكَ اللطيفِ
وكيفَ نُفرِّقُ بَينَ المسموحِ والممنوعِ
حِينَ نَدخُلُ فكرةَ الألوهةِ بنجاسةِ ما أدخلوه إلى عقولنِا
أنت تعلمُ يا اللهُ لقد جزؤُوكَ بينَ الطّوائفِ والمِلل
وجَعلوا مِنْ أنفسِهم أرباباً على الأرضِ
والشّيوخِ والكهنةِ والفقهاء ..يا الله
بدأوا طريقَهم بعبادتِكَ وانتهوا بعبادةِ السّاسةِ والمالِ والسّلطة
يقرعونَ أنخابَ الدّماءِ في مذابحِ الأوطانِ ويهنأونَ .. يهنأونَ
ها هُمُ الآنَ لولا تسفيهُ العبادِ لهم
لقالوا إنّهم أنبياءٌ ومرسَلونَ
واللهِ يذبحونَ بظفرِكَ يا الله ..
واللهِ ما تركوا زكاةً إلّا وسرقوها
ولا مالَ يتيمٍ إلّا ونهبوهُ
ولا أموالاً عامةً إلّا وتقاسموها
واللهِ يا اللهُ حَتّى أحلامَنا صادروها
نَحنُ عبادُكَ أبناءُ هذه الأرضِ
أرواحُنا حبيسةٌ في سجنِ الجسدِ
لَمْ تَعُدْ تَتُوقُ للحياةِ فلا تحاسبْنا على قنوطِنا
بالجوعِ حاصَرونا يا الله
بالأمراضِ بالكُرهِ حاصرونا
بالقنابلِ بالشّظايا بالرّزايا حاصرونا
شغلونا عنكَ وعن أوطانِنا بالرّغيفِ يا الله
فكيفَ تُحاسبُ جائعاَ إن قصَّرَ عن العبادةِ
وكيف تحاسبُ مكلومةً على قلةِ الصّبرِ حينَ تكفرُ بأمومتِها وتنتزعُ رحمَها
حينَ تحفرُ القبرَ تلوَ القبرِ لأفئدتِها
حتّى الأطفالُ يا اللهُ يكفرونَ دونَ قصدٍ
لكثرة ما ذُكِرَ اسمُكَ عبثاً على الطُّرُقاتِ
صاروا يَتَراشَقُون به ..
يحلفونَ بكَ كذباً يا الله
فلم يصدُقْ مَنْ حلفَ لهم باسمِكَ
كالآباء حين قالوا لهم لن نتخلّى عنكم وتخلَّوا مرغمينَ
الأطفالُ يا الله إِنْ خَلفنا الوعدَ معهم
يكذبونَ فلا تلُمْهم يا الله
أتذكرُ مرّةً يوم ناجيتُكَ وبكيتُ
كنتُ قد وعدتُ طفلي بقالبِ حلوى
لكنّني لَم أجدْ زيتاً ولا دقيقاً ولا ناراً
ومنذ ذلك الوقتِ وطفلي يرسُمُني كقالبِ حلوى يسيلُ دمعاً
ويضعُني في فرنِ الملامةِ
كُلَّما نظرَ إلى عينيَّ “المحرقة ” بوعدِهِ الجائع..
سامحْنا يا مولاي حينَ نحنثُ بالوعودِ
فما هيّأْتَهُ لنا على الأرضِ لم يحفظْ إنسانيّتَنا..
صادروهُ باسمِكَ وباسمِ السّماءِ
وصبُّوا عليه الدّماءَ صبّاً..
_______________
بقلم … ميرفت أبو حمزة
من ديوان ” ليتني”
Discussion about this post