سنحرر شاعرا بقصيدة ٣٠
*****
حاول أن تغنّي
**
يحيى الشيخ
***
إلى أحمد سراج
**
صباح الخير يا أحمد
ستفعل ما يفعله كلّ السّجناء لا غير:
تنبش ركام ذكرياتك .تنقّب عمّا فاتك من حبّ،
عن قبلة أمّك الّتي ما فتئت ساخنة على خدّك،
تفرك خصلة شعر خلف أذنك وتبتسم…
وقد يشغلك التّفكير بما قاله المحقّق وما سيقوله مرّة أخرى،
إنما ماذا لديك، مثل كلّ السّجناء، غير السّخرية من غبائهم…
سيتعبك الجلوس طويلا على بلاط الزّنزانة،
وتفضل الاستلقاء بين الأجساد، تغمرك رائحة لم تألفها من قبل، تظلّ في روحك مدى الدّهر… وحدها تذكّرك بالسّجن…
ليس لديك ورق وقلم لتكتب،
ستعيد القصيدة عشرات المرّات مع نفسك لتحفظها عن ظهر قلب كما كنت تفعل في حفظ القرآن، أو تقرؤها لسجين آخر يدهشه كتابة الشّعر في زنزانة!
لابدّ أن هناك فسحة ما ترى منها السّماء ،وتسأل نفسك إن كانت هي سماءَك الأولى؟
وتتعجّب كيف واصلت زرقتها حتّى اليوم وهي سجينة في فسحة ضيّقة!
ليس لديك ما تفعله غير أن تحدّث أصحابك عن بقائك في خندق أشهرًا في حرب خاسرة، يبحث عنك الموت دون أن يراك… وعن جدتّك الّتي اعتقدت أنّ دعاءها صباحًا مساءً هو الّذي حماك!
ماذا لديك غير أن تحاول النّوم على جنب لضيق المكان وتتقلّب دون هوادة، (لقد جرى هذا عندما كنتُ في السّابعة عشرة من عمري ولم أنم وكنت أتحايل على الليل بالغناء).
يا احمد،
حاول أن تغنّي وتعلّم الآخرين الغناء معك، فليس غير الغناء يخرجك من الزّنزانة…
***
اللوحة للفنان الاسباني جويا
Discussion about this post