بقلم… حجاج أول عويشة
تسود الأجواء الرمضانية دور المسنين في معظم الدّول العربيّة بفضل جهود القائمين على تلك المؤسسات لاستحضار كل ما من شأنه أن يميز شهر الصيام، إلا أن الحرمان من وجود الأسرة والدفء العائلي يبقى حائلا بين المقيمين هناك وبين الاستمتاع بالأجواء الخاصة بهذا الشهر المميز.
يتوق كبار السن في دور الرعاية الى زيارة أحد من ذويهم او اقاربهم، منذ حلول شهر رمضان حتى يوم عيد الفطر، باعتبارهما موسم التراحم والمودة وصلة الرحم.
أحلام كبار السن الوردية بسيطة ولا تتجاوز أكثر من الزيارات وتبادل الحديث مع ابنائهم واحفادهم، أو الجلوس معهم بين حنايا الدار وتجاذب أطراف الحديث وتبادل الضحكات والابتسامات في جو يغمره الحب والعطف الحنان .
ويؤكد كبار السن أنهم يفتقدون نكهة العائلة وعبق الشّهر الكريم الذي يمر عليهم كباقي أيام السنة، لا رؤية للأحباب ولا عناق ورائحة فلذة الاكباد، فلا جديد في ذلك بل يقلبون صفحات الذكريات ولا يجدون سوى الدّمع الممزوج بحرقة واعتصار لليوم الذي ينتظرونه بشوق، فيذوقون طعم حصاد سنينهم وهم يرعون الابناء ليكون لهم عونا، بيد احلامهم ذهبت سرابا.
يشتاق نزلاء دار العجزة عند قدوم الشهر الفضيل وأيام العيد لأحبّائهم ، ببارقة أمل وهم ينتظرون والألم يعتصر أفئدتهم أن يترفق قلب أحد أفراد أسرتهم ويلين بزيارتهم أو السؤال عنهم إن أمكن بالهاتف، لكن كل آمالهم تخيب، و تندثر ويتيهون في غياهب الفراق ويعيشون حالة نفسية متردّية تزيد وضعهم الصحي سوءا.
و يعاني معظم المسنّين العزلة واليأس بعدما جار عليهم اولادهم، فهم قدّموا لهم طوال سنين شبابهم ما جادت به أنفسهم من كرم الأبوّة والعطف والحنان، لم يتوقعوا أن يبادلوهم جزاء الاحسان بالنكران والإجحاف، غير مكترثين بتلك العطايا والتّضحيّات
ما يضيق صدرهم أنهم وصلوا الى مرحلة كانوا فيها قادة بيوتهم يقوّمون اعوجاج أبنائهم ويرشدونهم ويقدمّون توجيهاتهم لهم، بيد أن الحال انقلب على عقبيه فهم الان يتلقون التعليمات من المشرفين
تسعى الهيئات المسؤولة والجمعيّات الخيريّة للإهتمام بهذه الفئة فالملاحظ أنه خلال شهر رمضان تقلّ الزيارات لكبار السن بل لربما أقل من الايام العادية، وي
ولأن كبير السن يحتاج الى الاهتمام به، والمساعدة على الاعتناء بصحته وتغذيته وسلامته، تقوم هذه الجمعيّات لتوفير جوّ عائليّ تسوده أجواء المحبة والرّحمة
ولتوفير الدعم المعنوي والنفسي لكبير السن فإنه يوجد في المركز أخصائيين نفسيين واخصائية اجتماعية بالإضافة الى التعاقد مع أطباء نفسيين من خارج المركز، كما أن العمال في الدّار يجب أن يكون مؤهّلا يجيد كيفية التعامل مع المسن وكذلك لغتي الاشارات والجسد والفراسة، ذلك ان المسن يشعر بالملل.
كما يتوجب الإهتمام بصحة النّزلاء وذلك بضمان مركز صحيّ متكامل يحوي وحدة الجهاز التنفسي وكذلك غسيل الكلى، ويتم الاعتناء بصحة المرضى من خلال الفحص اليومي وقياس معدل ضغط الدم والسكري ، بالإضافة الى الزيارة الدورية من قبل أطباء اختصاصيين وأطباء جراحة من وزارة الصحة .
إن وجود ملاجئ وبيوت المسنين لا يعبر عن بر الوالدين، إذ الاصل أن يكون الرجل الشيخ والمرأة العجوز في بيوتهما وبين أحفادهم، ولربما يكون لحالات استثنائية، فهما كنز البيت،
كان لقضية حقوق المسنين دور بارز في التشريع الإسلامي، بل وفي الفكر الإسلامي، لكن في ظل ابتعاد بعض الأفراد والمجتمعات عن هدي القرآن والسنة، وفي ظل حصول تغيرات اجتماعية واقعية، دخلت على المجتمعات الإسلامية ظاهرة جديدة هي: “ظاهرة دار العَجَزَة، أو دار المسنين” التي تحيل على وجود مشكلة اجتماعية ودينية وثقافية في المجتمع الإسلامي؛ ذلك لكونه قد نشأ على خصال عظيمة مبنية على مبدأ توقير الصغير للكبير، ورحمة القوي بالضعيف، وحصول المودة والرحمة بين أفراد الأسرة، كما أنه اتسم بواقع أسري مبني على تعاليم الدين الإسلامي الحنيف وأحكامه التشريعية، والأخلاقية والسلوكية التي تجعل من الحياة الاجتماعية حياة مملوءة بالحب والعطف، والحنان والاحترام والتقدير لكبار السن والإحسان إلى الوالدين، والعناية بهما، خصوصًا أثناء بلوغهما الكبر مصداقا لقوله تعالى
﴿ ۞ وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا﴾
[ الإسراء: 23]







































Discussion about this post