بقدر ما تثير حياة سكانها كثيراً من الفضول، يبقى عمرانها يسر الناظرين ويستقطب المهندسين المعماريين. إنها مدينة غرداية التي تقع جنوب الجزائر على بعد 600 كيلومتر عن العاصمة، وقد صمدت أمام كل الحضارات المارة بالمنطقة سواء المهادنة أو العنيفة، لتبقى محافظة على نمط بناء فرض على اليونيسكو تصنيفه ضمن التراث العالمي.
يشكل الطابع المعماري الفريد الذي يطبع مدينة غرداية اختصاصاً هندسياً يستحق التأمل لجماله والتدريس لذكائه، فالزائر يسجل الأقواس المنتشرة في الأسواق والطرقات، والأزقة الضيقة وفتحات المنازل الصغيرة، والقلاع التي بناها الأجداد لمواجهة هجومات الغزاة، مما منحها لوحة فنية مميزة من الجمال الاستثنائي القائم على ثلاثية مقدسة: المسجد والسوق والبيت.
المدينة مشهورة بسبعة قصور تجاوز عمرها الألف عام، والمقصود هنا التجمعات السكانية، وهي غرداية، وبنورة، وبني يزقن، والقرارة، وبريان، والعطف والمليكة، وعلى رغم الاختلاف في شكلها الهندسي فإنها تتشابه في طابعها العمراني، حيث يكون المسجد في مدخل المدينة وبعدها تأتي المنازل التي بنيت بما يسمح للشمس بالدخول إليها، فهي مغلقة نحو الخارج ومفتوحة نحو الداخل والأعلى من أجل الضوء والتهوية، أما سوق كل قصر فتقع خارج المدينة بهدف عدم السماح للأجانب بدخول المدينة.
عبقرية وتصنيف لكن لا يدخلها الأجانب
عبقرية البناء والمحافظة على الطابع العمراني طوال قرون وعلى نظامها الاجتماعي، جعل منظمة الـ”يونيسكو” تصنف عام 1982، خمسة قصور منها ضمن التراث الإنساني العالمي، وهي غرداية وبنورة والعطف ومليكة وبني يزقن، التي تعود إلى القرن الـ11، بعد أن تم تصنيف “غرداية” ضمن التراث الجزائري بقرار وزاري عام 1971.
وأذا تحدّثنا عن بني يزقن المدينة الّتي تأسست على يد الأمازيغ الإباضيين في القرن الرابع عشر الميلادي، نجدها تتميز بتحصيناتها كالأسوار والأبراج الدفاعية بالإضافة إلى المسجد القديم، حيث يطلق على المدينة القديمة اسم قصر بني يزقن
غرداية – يزخر قصر بني يزقن أو ( آت إيزجن) العريق بعديد المميزات السياحية الجذابة التي ما انفكت تغري الزوار والسياح الوافدين إلى منطقة ميزاب (غرداية).
وأصبحت بني يزقن تلك القلعة الغارقة بسهل ميزاب بسحرها الذي لا ينتهي بالنظر إلى خصائصها المعمارية الفريدة التي تتمثل في تلك المساكن المشيدة بشكل تصاعدي حول المسجد الذي يطل على القصر بواجهات متباينة الألوان التي تنبض بالحياة، موقعا لا يمكن الاستغناء عنه في المسار السياحي بالمنطقة .
هذه التحفة المعمارية التي شُيّدت وفق هيكلة فريدة من نوعها بأشكال بسيطة ومواد بناء محلية ، يعتبرها عدد من المختصين في الهندسة المعمارية ” نموذجا عاليا في الثقافة المعمارية” التي تشهد عن عبقرية مشيديها القدامى الذين أبدعوا في هذه البناءات ولحضارة ألفية يتعين المحافظة عليها .
وكغيرها من قصور ميزاب، هذه المدينة المحصنة قد صممت حسب تنظيم اجتماعي متجانس للجماعة مع عمران يشهد على حضارة ألفية ، وبساطة في أشكال التصميم ، مع استعمال مواد بناء محلية .
استطاعت بني يزقن أن تتميز عن باقي المدن الجزائرية في المحافظة على التعاليم الدينية ومحاربة أشكال الانحراف.
وفي وقت عجزت فيه حكومات عن التقليل من ارتفاع نسبة التدخين، تضرب مدينة بني يزقن مثالاً حياً عن مدينة “صديقة للبيئة” ناضل سُكانها لسنوات لمحاربة هذه الظاهرة، إذ يفرض هؤلاء من خلال سلوكاتهم اليومية واللافتات التي يضعونها في الأزقة على أي زائر مهما كان مركزه الاجتماعي والسياسي أن يُقلع عن التدخين في فترة تواجده بالمنطقة، احتراماً لها ولسكانها.







































Discussion about this post