الوقت الثّقيل
بقلم/ فارس مطر
كالعادة، يمرّ صباحاً في الحيّ الهادئ
يحيّي أشجار البلّوط
وسياج الورد
وقطّة خلف نافذة مطلّة
صباح الخير، يقول لجوقة التّلاميذ
يتفحّص المنتظرين عند المحطّة في آخر الشّارع
الرّجل المستعجل ذو الحذاء الرّياضي
موظّفة البنك ببدلتها السّوداء
كلب الهسكي البنّي والسيّدة البولنديّة
متقاعدة تحاول التّنصّل من عادة الذّهاب الى العمل باكراً
مُدَخّنٌ أنيقٌ يقف جانباً
زوجان بحقيبة سفر واحدة يتحدّثان عن بلد دافئ
والسّتيني النّحيف، سائق الحافلة الّتي وصلت توّاً
عبر موقف الدّرّاجات الهوائيّة
يواصل المشي مطرقاً متأمّلاً حذائه الطّبي المريح
المعطف الرّمادي الّذي يغطي أسفل ركبتيه
عصاه الّتي تُنكِئُ ممرّ المشاة
والأحجار المصفوفة بمهارة، تغريه بمواصلة الخطى
لا يجدُ بُدّاً من قليل الفضول
إذ يشير الى جهة العنوان الصّحيحة
لمسنٍّ لم يُعرهُ اهتماماً ويواصل المشي الى الوجهة الخطأ
عرضهُ مساعدة عجوز يزيح الثّلج من مدخل بيته
والّذي يتجاهله تماماً
استعداده إعطاء دورس مجانيّة
دون أن يلقى استجابة من الأم
الّتي تبحث عن من يساعد ابنتها
تقديم يورو وأربعين سنتاً ليافع انصرف مسرعاً
لم يجد في جيبه عملات معدنيّة
لشراء بسكويت من ماكنة البيع الآلي، لم يره أصلاً
إبراز بطاقة النّقل الشّهريّة لمفتّش التّذاكر
الّذي تخطّاه متجاهلاً في قطار الأنفاق
أو تنبيه راكبة منشغلة بهاتفها الخلويّ
ستفوِّت محطّتها، لن تردّ عليه
أيّها الشّبح الّذي لا يُرى ولا يُسمع
دع قمراً يطير من صدرك دائماً
عِشْ أغنياتك
فأنت من ترك الصّالة مضاءة بعد العشاء الأخير
عُد الى مثواك في مقبرة الحيّ الأنيقة
اكنس الأوراق المتساقطة الّتي تغطي اسمك
لا بأس إن لم تجد باقةً أو شمعةً
لا بأس، فقد عشت مهمّشاً مغموراً
وسعيداً هادئاً كما الآن
غداً ستقوم بجولة أخرى
وستصرُّ على أنّك حيٌّ متحرّكٌ
يبذل عطاؤه اللّا مرئي
لطالما قلتَ لنفسك:
يوماً ما لن تفتقدني المدينة
وجوهها، شوارعها، منتدياتها
سأُبعِدُ المظلّة وأترك المطر يُكملُ المعنى
نكتشف كلّ شيء عن حياتنا في اللحظة الأخيرة
من الصّدع يدخل الضّوء
من الإغماضة تنبثق الرّؤى
الى صدري يعود سرب الكراكي
تتدلّى نباتات الشّرفة
يبدأ اللحن
على الضّباب أفتح النًافذة
أضع قلبي على راحتيَّ
واستشرف البدايات الجديدة
فارس مطر







































Discussion about this post