الموت الأخير
القصة الحائزة على المركز الرابع
بقلم/ نزهة المثلوثي
تغيبت لم تقبل كعادتها للعزاء في الموت الأخير تساءلت بيني وبين نفسي عن سبب غيابها ولم أخبر أحدا لأنّي لم أرد سماع الجواب المتوقّع .
بعد دفن الجارة الفقيدة بأيام قليلة وقفت قرب شجرة التوت فتذكرتها وتزاحمت صورها أمامي وهي تضحك مقبلةفي الزقاق فتعبر ممر الحمام وترفع الستار عن بابه المنقوش فتنبعث روائح البخور الممزوجة بعطر ماء النارنج والعطرشاء ….
وتدخل سقيفة الحمام فتسلم على الجارات والقريبات وكل اللواتي يتنشفن ويستعددن للخروج ..فتضجّ السقيفة بالأصوات والضحكات والمزاح والكلام الجريء…تذكرتها وهي تطرق باب الدار المفتوح وتطل برأسها قائلة: “هيا صبي كأس تاي وهيا لدار الميت نبكيو ”
كنا نستقبلها بترحيب وكانت الجارات تنصت لحديثها وتحبذه رغم أنها تختمه دائما بقصة معاناتها وقسوة زوجها الذي طلقها بعد صراعات وخلافات واعتداءات وأحكام فتتنهد بزفرات قوية وهي تعلم بأنه أخذ ابنها وحرمها من رؤيته والالتقاء به مهددا متوعدا …
كان الموت يدعوها فتقبل من مدينة مجاورة نحو الحي للعزاء فتنوح وبعد دفن الميت تحوّل المناسبة الى مجلس مزاح وطرائف حكايات وأحاج فتخفف من لوعة الباكيات وتشدّ الانظار بحضورها المألوف وما تلفظه من حكايا شيقة حتى أنّك تنسى وأنت تسمعها أنّك في مجلس عزاء لما تصوغه من كلام ممتع
ألقيت بصري نحو الجامع والمباني حوله … فبدا الحيّ كأنّه مهجور منذ آلاف السنين الجامع بلا مصلين والحمام مقفل كبيوت الجيران …انعدمت الحركة وأطبق صمت رهيب غريب تحت غيوم
دكناء كثيفة جعلني أنتبه أنها تغيبت في الموت الأخير
نزهة المثلوثي تونس
Discussion about this post