متاهاتٍ تزرعُنا بين أديم شتاءٍ ومعاقِلِ تنُّورٍ…
لم يبقَ سوى ركنٌ مهجور..
مغاراتٌ من قارعات الذّكريات!..
تغازل أهدابَ المِشكاة..
تتحسسُ جاداتٍ لبصيصِ ضياءات..
بين ألبومات…!
علَّها تجدُ ضالَّتها بين ضحكاتِ براءات
بين واءات!!..
مازال الحنين لتلك الباءات..
رُمنا لوعاتٍ وخِطابات..
مابين قصيدة عشق وما بين قوافٍ لاحتفالات..
لكنّي مازلت أرى التّنهيدات..
مازلت أتحسَّر في خاصرة الأوقات..
مازال الطّيف شريداً يذبحُني وتلوكه الغيمات..
مازال سريري يضجُّ بحكاياتٍ وحكايات..
مازالت مراياتي تعكس ماضٍ أمَّلني انتظارات..
وأنا في درب التِّيه.. أنفاقٌ تبحث عن إجابات!..
وتشي مراقدُ أحزاني تلكَ اللاءات..
لا سكَنٌ.. لا رُشدٌ.. لا ريبَ بأنّي أجترُّ عوسجَ العزلات…
مواقفٌ تعتصرُ مجاهلَ ورِجالات..
مازالت مواسمي تأتزرُ الصَّمت في شرنقة متاهات!!
حنانيكَ وهونّ عليك صُويحبي… هَبْ أنّي طفلٌ!..
أبعثرُ هاك الواءات في الحجرة نزيل..
يزحف يتأبّط دُميةً.. يبكي ويرومُ الرّحيل..
أتُراني كهلٌ مكث طويلاً بأخاديد قتيل..
لا يجرؤ أن يشعل شمعاً ليضيء قناديل..
كي يبصر أشياءً مُهمَلةً والحِملُ ثقيل..
يكفيني أن يُرشدني الدَّهر..
أتريُّض بين الأسفار وأتوضَّأ بأنسامِ الطُهر..
أتنسَّم عبير الحريات.. يلفظُني القهر..
في كلّ الهيئاتِ، باسمٌ ثَغرِي..
لكنّ أوداجي قد ذاقَت مُرّاً يقبرها في خدرٍ
فَكأنّي خلقت بعالمٍ قد ألِف العُهر!
مجبونٌ ومجبولٌ على انتقاصاتٍ ومغبونٌ أنّي أحرمتُ بِصَبر.
عُذراً متاهاتي..أمَّا بَعد:
أمَا وقَد فارَ التنّور.. هلَّا أوقفتِ دائرة الدّوامات!
مازلتُ برزخيّاً أطوي أقنعةً تمقُتني وأزُمُّ أشرِعتي..
لم يبقَ لديّ سوى أشباح لأسماءٍ تَبكيني…
بادت لكنَّ البحث جارٍ بينَ رُفاتٍ ينثرُني
لا يأبهُ لمصيري ضميرٌ مغروسٌ في خاصرةِ الغيبيَّات..
عن أيّ سعادة تأخذني تلكَ الحجُرات..
دونما ألغاز لأحايينِ الأقدار..
فَيراعي الماثلُ قضَّ مضاجع مداد الأحبار ..
يكتب دمعات..
تنساب بترياقٍ زخَّاتٍ.. زخَّات..
حتىّ البركات قد زالت من لوحات ..
نضبت بيادر الأمل في الظُّلمات..
لم يعُد بوسعي أن أنقش غيرَ الخيبات..
أتراحي وأفرحي تطمرُها انطفاءات..
وجراحُ نياطي تموء أرزاء النّكبات.
يالقسوة محاولة أن أنسى متاهاتي!
ضبّت أغراضاً في قبوٍ من منحوتاتٍ كغُثَاء..
وحروفي لا تعرف سوى كِبرياء ..
يغريها صوتٌ يصدحُ شمساً بلجاء..
وتراوغ بستانًا يتسربلُ من ماء حياء..
ونديم العدل بأرضٍ لا تعرف فرسان إباء..
لا تعرف سوى غرابيب ركامٍ ينضح أشلاء..
والباطل يضوي ببيارق ميثاق دماء..
وأنايَ كالنّسر الجارح يغدو ويروح بالأنحاء..
ونجوم ثّريّا تسحبُني عبر أثير الأجواء..
والرّوح تحلّق وتُحملق وتُقلُّ الغُرَباء..
متاهاتي صوارٍ لمراكبَ تواقةً لرواء..
وصكيكُ مطيرٍ لنجوم فتاتي الصّهباء..
تتريَّض مراقصةً زُهورِي وتُرافق نحُّولاً بسماء..
غيمها تطويني غروباً وتقلُّ رياحين الجيداء
تسكنُ ثائرتي وتطفئها كما تطفي ناراً ماء..
أيناهُ أحلامُ ربيعي والنَّبضَ في وقعٍ وغناء؟!..
موسيقى تعزفُ كحاديَ العيس لحناً بِلا أصداء..
مابالكِ مَتاهاتي.. دفاتُركِ مُترعةُ بالمسكِ والرّيحان!
فالكلُّ هُراء والكلُّ هباء!.. أدران وبقايا إنسان!..
فاغر أفواهي الحُبلى بخريفٍ لأغصان السندان..
صُندوقي ليس بحانوتِ العتمات ولا التّيجان
كفاكِ قرابين الأوطان!
حنانيكِ!.. مكتظةٌّ أنتِ عن آخرك ولم يبقَ طليقا سوى السجَّان
غضنفرٌ يزمجرُ فوق رواسي الصُّمود بمهادنة الزّنزان
حتى نتدبَّر ونغربلُ مساعينا في طيِّ الكتمان
وأيم الله.. أنَّا لم نضع اليقينَ في الحُسبان
حتّى رياحُ آبٍ يخلعني هسيسها وحفيفُ ثُريّاتِ الطُّوفان
ماعُونٍ لصهيل جيادٍ تدهسني بسنابكِ غيلان
وصبابةُ ماخورٍ يعاقرُ خمراً فأقارعُ كأس الخسران
وكأنّي ذرّةٌ مُهملةٌ وتنادمُ مواقيت القُربان..
أتُراها “عشتار” بجمالٍ يغوي الهيمان؟!
هلعٌ يجتاح عشيقها..أمَّلهُ مقصلةَ الهذيان!
متاهات لا تُدرجُ أبجديّة الفرسان!
كلّا وحاشا!!.. بل أدمَنتُ دنّان الحرمان..
صبراً سأقول.. صبراً سأغرَّد.. صبراً سأعيش!..
ويْحٌ يبتلعُ متاهاتي بمُغمد سيفٍ من كلَمٍ فلَّ الصَوّان!
أحمد فاروق بيضون – مصر
Discussion about this post