أَسْتَيْقِظُ رَمادًا عالِقًا عَلَى طَرَفِ شُعْلَةٍ
تَتَدَلّى رُوحِي سِتارَةً واجِمَةً تَحْتَ قَمَرٍ مَيِّتٍ.
يَدِي تَلْتَقِطُ الهَوَاءَ..
تَبْحَثُ عَنْ مِفْتاحٍ مَنْسِيٍّ بَيْنَ تَشَقُّقاتِ الوقتِ.
يَغْلِي قَلْبِي كَقِدْرٍ مُهْمَلٍ عَلَى نارٍ هادِئَةٍ
يُبَخِّرُ أَحْلامِي شَيْئًا فَشَيْئًا
وَلا أَحَدَ يَمُدُّ يَدَهُ لِيَنْتَشِلَهُ مِنْ حَمْأَةِ الْمَعْمَعَةِ.
كُلُّ شَهْقَةٍ تَتْرُكُ حُفْرَةً فِي فَراغٍ أَبْكَمَ
الأَرْضُ تَتَأَرْجَحُ نَحْوَ الْعَدَمِ
أَحْذِيَتِي مُصْطَفَّةٌ كَجُنودٍ تَعِبُوا مِنَ الْحَرْبِ
جَدائِلِي تَتَشابَكُ مَعَ أَسْلاكِ الْكَهْرَباءِ
تُحاوِلُ الإِمْساكَ بِوَمْضَةٍ هارِبَةٍ.
أَتَذَكَّرُ تِلْكَ اللَّحْظَةَ…
حِينَ سَقَطَتْ قِطْعَةُ خُبْزٍ عَلَى وَجْهِها الْمَدْهُونِ بِالزُّبْدَةِ
يا الله…
كَمْ انْكَمَشْتُ…
كَأَنَّ جَنازَةً عَبَرَتْنِي بِلا نَعْشٍ.
أُعِيدُ تَرْتِيبَ الْكَراسِي حَوْلَ الطّاوِلَةِ
كَمَا كانَتْ تَفْعَلُ أُمِّي..
وَأَنْتَظِرُها…
لِنَرْتَقَ صَمْتَنا بِفُتاتِ بُكاءٍ لا يَجِفُّ.
كُلَّ يَوْمٍ تَنْهارُ طُوبَةٌ داخِلِي
كُلَّ يَوْمٍ أَبْنِي جِسْرًا بَيْنِي وَبَيْنَ نَفْسِي
لَكِنَّ الْمِيَاهَ آسِنَةٌ
تُعَكِّسُ قِناعًا مَشْروخًا
صِغارًا يَرْسُمونَ شُموسًا بِلا وَهَجٍ
رِجالًا بِلا بَصائِرَ.
لا أَعْرِفُ..
هَلْ نَسِيتُ مَلامِحِي عَلَى الْوِسادَةِ هَذا الصَّباحِ؟
الْعَقارِبُ تَمْضِي سَكاكِينَنا صامِتَةً تَشُقُّ مَسامِي.
جَسَدِي مَمْدودٌ فَوْقَ سَطْحٍ مائِعٍ
تَتَفَتَّتُ رَغَباتِي مَعَ ارْتِعاشاتِ الضَّوْءِ
كَتَعْويذَةٍ تَنْطَفِئُ… ثُمَّ يُنْفَخُ فِيها مُجَدَّدًا
كُلُّ شَجَنٍ يَعُودُ…
أَكْثَرَ جوعًا مِنْ قَبْلُ.
تَرْتَسِمُ عَلَى شَفَتَيَّ اِنْحِناءاتٌ باهِتَةٌ…
كَظِلالِ عَهْدٍ لَمْ يُكْتَبْ
أَتَسَرَّبُ دُخانًا
خَفِيفًا… خَفِيفًا،
لَكِنَّ الدُّخانَ خَائن…
يَعُودُ مُتَشَبِّثًا بِالْجُدْرانِ
يَتَسَلَّلُ…
يَتَغَلْغَلُ فِي الْمَسامِ
يَسْكُنُ الرِّئَتَيْنِ كَذِكْرَى لا تُمْحى.
وَأَنا…؟
أَنا دَرْويشَةٌ عَمْياءُ فَوْقَ إِصْبَعِ الزَّمَنِ
أَدورُ مُتَرَنِّحَةً…
أُراوِغُ السُّقوطَ
أَنْتَظِرُ لَحْظَةَ الاِنْهِيارِ كَغِلالَةِ ضَوْءٍ تُـمَسِّدُها الرِّيحُ.
يَتَصاعَدُ النَّبْضُ كُلَّما شُدَّ الْوَتَرُ
ها هُنا…
إيقاعٌ مَحْمومٌ يَتَسَلَّلُ إِلَيَّ
يَخْتَرِقُنِي…
يَرْتَفِعُ مِثْلَ مَوْجَةٍ صاخِبَةٍ
تَتَلاشَى خُطُواتِي
أَنْفَلِتُ كَخَيْطٍ قُطِعَ مِنْ نَولٍ قديمٍ
أُراقِصُ الْفَراغَ بِلا وِجْهَةٍ
خُطْوَةٌ…
دَورانٌ بِلا بِدايَةٍ.
خُطْوَةٌ…
دَورانٌ بِلا نِهايَةٍ.
خُطْوَتانِ…
يَتَناثَرُ كُلُّ شَيْءٍ غُبارًا ذَهَبِيًّا
كُلُّ زَفْرَةٍ تَقْشِرُ طَبَقَةً
تُزيلُ قَيْدًا خَفِيًّا.
خُطْوَةٌ…
ها أَنا الآنَ نَغْمَةٌ خالِصَةٌ
جَوْهَرٌ نَقِيٌّ
صَدَى اِنْفِجارٍ بَعِيدٍ يَتَرَدَّدُ بَيْنَ الْمَجَرّاتِ.
أَذوبُ فِي الإِيقاعِ
مُمْتَلِئَةً
عارِيَةً
شَفّافَةً
أَرْقُصُ…
الْكَوْنُ كُلُّهُ يَرْقُصُ فِيَّ.
خُطْوَةٌ…
خ ط و ة
كُلُّ شَيْءٍ يَتَلاشَى
وَلا يَبْقى سِوَى وَهَجِ الرَّقْصَةِ…
لا يَبْقى سِوَى ارْتِجافَةِ الْوَتَرِ الأَخِيرِ.
لبنى حمادة
Discussion about this post