اد. عادل القليعي يكتب.
ها هو شهر شعبان طويت أيّامه طيّا ، وراح يلملم أوراقه مبشرا أمّتنا الإسلاميّة بقدوم شهر الخيرات والبركات والمسرّات والبشارات.
شهر رمضان المعظّم ، شهر تتضاعف فيه الحسنات زيادات وزيادات ، شهر تغلق فيه أبواب النّيران وتفتح فيه أبواب الجنان.
شهر تعانق فيه الأرض السّماء.
فالله العظيم أسال أن يحفظ علينا بلدنا الحبيب مصر الغالية ، شعبا وقيادة، وأن يحفظ علينا أمتنا العربيّة والإسلاميّة ، وأن يحفظ علينا مقدّساتنا وأن يعيد إلينا المسجد الأقصى وأن ينصر إخواننا المجتهدين في غزة نصرا عزيزا مؤزّرا وأن يوفق قادتنا لما فيه الخير .
هؤلاء القادة الّذين حملوا على عاتقهم هموم أمّتنا العربيّة والإسلاميّة وجعلوها نصب أعينهم
. على أن نعاهدهم أمام الله أنّنا معهم قلبا وقالبا كلٌ في مكانه يجاهد قدر استطاعته مصداقا لقوله تعالى ، (والذين جاهدوا فينا لنهدينّهم سبلنا وأن الله لمع المحسنين).
نأتي إلى الوقفة الرّوحانيّة التّأمليّة الّتي تسمو بالرّوح فتجعلها تحلّق فى عالم الملك والملكوت عالم المفارقة والتّجرّد من كلّ نزوات الحواس الّتي تحجب الرّؤية فتجعلها منقوصة فلا ترى الرّوح إلّا الظّلال ولا ترى الحقيقة كاملة.
نعم هي وقفة روحانيّة تأمّليّة ومنحة أعطانا إيّاها الله تعالى للتدبر والتّأمل بفضائل هذا الشّهر ، فضيلة الصّحّة ، فها هو المعصوم صل الله عليه وسلم يقول لنا صوموا تصحّوا ، والصّوم جنّة ، وهاهو يقول وهو طبيب القلوب والأبدان فى آن واحد ، ما ملأ ابن أدم من وعاء أشرّ من بطنه ، بحسب ابن أدم لقيمات يقمن بها صلبه ، فثلث لشرابه وثلث لطعامه وثلث لنفسه ، نعم وعاء البطن أشرّ وعاء من الممكن أن يملأه الإنسان لما يترتّب عليه من أضرار جسديّة وأضرار عقلية وأضرار نفسيّة واجتماعيّة أيضا .
كيف يكون ذلك.
فالله تعالى لم يفرض علينا شىء ولا يكلّفنا بشئ إلّا وفيه منفعتنا ومصلحتنا ، فهو المعتني بنا على الدّوام ، فهو أمرنا أن نأكل ونشرب ونتناسل ونمارس كلّ مقوّمات الحياة دونما إفراط أو تفريط .
لكن سيكولوجية وطبيعة الإنسان تغلب عليه نفسه الأمّارة بالسّوء ومما تأمر به إشباع شهوة البطن إشباعا قد يجعل الإنسان يطغى على عقله فإذا امتلات البطون تاهت وغابت العقول وخرجت عن مساراتها الطّبيعيّة ، الفكر والتّفكّر فلا يكون هم للإنسان إلا اشباع شهوة البطن ، ولذلك فرض الله سبحانه وتعالى علينا الصّوم .
لتهذيب هذه الشّهوة لما فيها من أضرار جسديّة تلحق بالإنسان إذا انغمس بالكليّة في شهوة المأكل والمشرب فقد يصاب بالتّخمة وأمراض القولون والجهاز الهضمي وكذلك الجهاز العصبي الّذي يتحكّم في مزاج الإنسان .
أو بمعنى أدق القوى المزاجيّة والحالة النّفسيّة للإنسان فامتلأ البطن بالطّعام يهيّج الحالة المزاجية للإنسان فيصاب الإنسان بالنّهم والشّره فيضطرب مزاجه وصحّته النّفسية أمّا إذا صام الإنسان لساعات معدودة فى اليوم يعاود الجسد نشاطه وحيويّته بل ويطرد السّموم طردا ذاتيّا ويقوى الجهاز المناعي لدي الإنسان فيصبح معافا فى بدنه .
فضلا عن ذلك فإن الصّوم يضبط شهوة الإنسان الجامحة فيجعل الإنسان لا ينظر إلى عورات النّاس ، لماذا لأن الّذي يجعل المرء ينظر بشهوة قوّته الشّهوانيّة وعندما نضيق عليها الخناق بالصّوم ستتهذب وتهدأ ، كذلك عندما قال الرسول صل الله عليه وسلم صوموا تصحوا .
إذا ما أخذنا هذه الصّحّة من النّاحية الاجتماعية ، فنحن نعيش في مجتمع ، المجتمع نسيج متكامل فيه الغني وفيه الفقير ، فإذا ما صمنا وشعرنا بالجوع فسنشعر بالفقير الذي حتى لا يمتلك قوت يومه فنشكر الله على نعمه ، ونعطي للفقير مما أعطانا الله تعالى وبهذا يحدث التكافل الإجتماعي .
أما إذا أخذنا في تفسير الحديث من الناحية الثقافية ، ففي نهار رمضان وقت الصوم سنجد العقل متقد ومتحفز على القراءة والكتابة والمطالعة ، فتزداد ثقافة الإنسان ، ويزداد تحصيله للمعلومات.
نعم صدق النبي صل الله عليه وسلم عندما قال صوموا تصحوا ففى الصوم صحة للابدان وتطهير للانفس وسمو وارتقاء للارواح ومودة ورحمة وتراحم بين الناس وتكافل.
أستاذ ورئيس قسم الفلسفة بآداب حلوان.
Discussion about this post