رمضان في مدينة الورود ( البليدة) : “عبق التّقاليد وروحانيّة الأجواء”
رمضان في مدينة البليدة الجزائريّة ليس مجرّد شهر للصيام، بل هو موسم يعجّ بالعادات العريقة والتّقاليد الّتي تعكس روح المجتمع وأصالته.
بين نسمات السّهول الخضراء وعطر زهور البرتقال، ينسج أهل البليدة لوحات رمضانيّة زاخرة بالمحبّة والتّلاحم الاجتماعي.
التّحضيرات: استقبال الشّهر بروح الجماعة
قبل حلول رمضان، تستعدّ الأسر البليديّة بتحضيرات مميّزة تبدأ بتنظيف البيوت وتزيينها بفوانيس وأهلة، إلى جانب تخزين المواد الغذائيّة الأساسيّة لتحضير الأطباق التّقليديّة. الأسواق تعجّ بالحركة،
حيث يُقبل النّاس على شراء التّوابل، التّمر، والمكسّرات، فيما تزداد أواصر التّلاحم بين الجيران والأقارب بتبادل التّهاني والزّيارات.
مائدة الإفطار: تناغم الأصالة والنّكهة
مع رفع آذان المغرب، تجتمع العائلات حول مائدة الإفطار الّتي تحتضن أشهى الأطباق التّقليديّة. الشّوربة الحمراء، البوراك الذّهبي المحشو باللحم والخضار، والطّاجين الحلو، كلّها أطباق لا تخلو منها الموائد البليديّة. ولا تكتمل وجبة الإفطار دون كوب الشّاي بالنّعناع ورشفات من الزّلابية اللذيذة.
التّراويح والروحانيّة
بعد الإفطار، تتحوّل شوارع البليدة إلى مشاهد مفعمة بالرّوحانيّة، حيث يتوجّه الرجال والنّساء إلى المساجد لإداء صلاة التّراويح. مسجد “الكواسر” ومسجد “الرحمن” وغيرهما من المعالم الرّوحيّة،
تستقبل المصلّين في أجواء مفعمة بالإيمان، حيث تصدح التّلاوات القرآنية وتعلو الأصوات بالدّعاء.
العادات الاجتماعيّة: تضامن وتلاحم
من أجمل تقاليد رمضان في البليدة عادة “موائد الرّحمة”، حيث تتكاتف الأيادي لإعداد وجبات للصائمين المحتاجين وعابري السّبيل. كما أن “الوزيعة” لا تزال حاضرة في بعض الأحياء، حيث يشتري سكان الحيّ أضحية ويقسّمونها بالتّساوي، تعزيزًا لقيم التّعاون والتآزر.
ليالي رمضان: بين التّراث والسّهرات العائليّة
مع تقدّم ساعات الليل، يزدهر المشهد الرّمضاني في المقاهي والسّاحات، حيث يلتقي الأصدقاء والعائلات لتبادل الأحاديث، ولعب “الدامة” و**”الكارطة”**، أو حضور سهرات المدّاحين الّذين ينشدون القصائد الدّينيّة والمدائح النّبويّة.
التّحضير للعشر الأواخر والعيد
مع اقتراب العشر الأواخر، تتضاعف وتيرة العبادة، ويستعدّ النّاس لليلة القدر بالدّعاء والقيام. وفي الأيّام الأخيرة، تبدأ تحضيرات عيد الفطر بصنع الحلويّات التّقليديّة مثل المقروط، والبقلاوة، والغريبية، لتقديمها للضيوف صباح العيد في أجواء مليئة بالبهجة والسّرور.
خاتمة
رمضان في البليدة ليس مجرّد طقوس دينيّة ، بل هو نمط حياة يزخر بالدّفء العائلي، والعادات الّتي تناقلتها الأجيال جيلاً بعد جيل. هو شهر تلتقي فيه الرّوحانيّة بالجمال، حيث تتجسّد أسمى معاني المحبّة، الكرم، والتآخي بين أبناء المدينة.
بقلم الصّحفيّة والكاتبة بشرى دلهوم الجزائر، البليدة







































Discussion about this post