سامية البابا تكتب:
فارس ابن السادسة عشرة من العمر يغادر قريته هاربا من تعذيب زوجة أبيه التي لم تراعِ أنه يتيم الأم ، فاقدٌ للحنان منذ كان غضا لم يتجاوز السابعة من عمره حيث توفيت بمرض خبيث ، و تزوج والده كي يجد من يراعيه ويراعي أمور البيت ، كبر فارس حالما بفتاة أحلامه التي ستعوضه الحنان المفقود ، كانت شيماء ابنة الجيران أصغر منه بسنتين ، كانا يلعبان سويا في الطفولة ، كبرا لتصبح فتاة جميلة تسلب اللب ، أحبها فارس و كأنه لم يرَ في البنات غيرها ، و كانت شيماء ببراءتها تميل إليه و أحيانا تشفق على ما مر به من يُتم و حزن ، شيئا فشيئا أحسّت بحب يكبر داخلها ، و لكن في ليلة عَلا صوت فارس و زوجة أبيه ، مما جعله يغادر القرية إلى المدينة باحثا عن ذاته ، و يرسم مستقبلا لحياته .
غاب عن القرية خمسة أعوام و قلبه يتمزق ألما على فراق بيته و أحبته ، و كانت شيماء ذات الضفيرتين الشقراوين لا تفارق خياله ، و كل يوم يمر يكبر ذاك الحب أكثر .
لكنه عاد لقريته مجددا
و رآها هناك أنها ابنة التّاسعة عشرة وما أن رآها حتى بدأت قطرات الحب كـ ماء تتساقط على قلبه الجاف المتشقق ، المتشوق لماء الحب كي يرويه وتنبت فيه زهرات العشق الدفينة في قاعه المظلم ، وقد أشرقت شمس محياها الجميل عليه فـ استضاء به وسطع كأنه ماسةٌ صقلتها يد صائغ متمرس في صنعته.
توقف أمامها يتأملها…وقلبه يكاد يخرج من صدره ، هل يعقل أن هذه هي ؟!
ما هذا الشعور و لِمَ ؟ وكيف لم أشعر به من قبل
وقف طويلاً يتساءل مع قلبه و يحاوره فإذا بقلبه يجيبه بلهفةٍ يملؤها أمل بأن القادم لا بدّ أجمل .
ألا تعلم ما هذا الإحساس
هكذا قال القلب…فأجابه بتعجب وحيرة ، حقاً لست أدري ، ما هو؟ أجبني أنت.
أجابه القلب “إنها فتاة الأحلام” أيها الساذج ، انظر جيداً ،،.أليس هذا القوام الذي طالما حلمت به .أليست تلك العينين و ذاك المُحيا و ذاك الثغر وووووو… أليست هي فتاة أحلامك !
وقف مذهولاً و بلا شعور قال : بصوت عالٍ ، نعم ، نعم هي حقاً ما تمنيت و حلمت ، والآن قد عدت ،،،
تبسمت الفتاة و هي تقول حمدا لله على السلامة يا فارس ، لقد طالت غيبتك ، لكننا لم ننسَك .
انتبه لنفسه و قال بتلعثم ،،، كيف حالك يا شيماء ؟ وكيف الأسرة ؟ لقد كبرتِ و أصبحتِ الأجمل في القرية كما حلمتُ بك .
تبسمت شيماء بخجل واضح ، و قالت : الحمد لله على عودتك سالما ،كلنا بخير .
ماذا عنكَ و لمَ كل ذاكَ الغياب….؟تأملها و لم يجب ، حتى شعرت بالخجل فغادرت و لم تلتفت وراءها فإذا به يسرع الخطى إلى بيته ، و يبيت ليلته مستيقظاً وصورتها لا تغادر خياله .
في صباح اليوم التالي جلس مع أبيه و كان أحب الناس إلى قلبه وبدأ يتحدث معه ،،، أبي : ما رأيك أود أن تخطب لي شيماء ابنة الجيران ؟
ابتسم أبوه و قال : و لم لا .
فارس : ماذا عليّ أن أفعل ؟
تسلل اليأس إلى قلبه لثوانٍ وراح يتساءل ، ماذا لو لم تقبلني ؟
ماذا لو أن هناك في قلبها غيري ؟
والكثير والكثير من التساؤلات
حتى سمع صوت قلبه يقول : اسألها و أرحنا ،،، اذهب إليها واطلب يدها من أبيها.
وبعد الغروب ذهب إليهم مع أسرته و بعد تحية حارة و ترحاب متبادل ، قال والد فارس : لقد جئنا اليوم لنطلب يد ابنتكم شيماء لابننا فارس ، تبسم الأب ابتسامة غموض و قال :
و لِمَ لا ؟ أعطنا مهلة كي نشاور أعمامها و إخوانها و باقي العائلة ثم نجيبك بإذن الله .
ما ارتاح قلبه لتلك الإجابة و لكن ما كان أمامه إلا الصبر و الإنتظار ، ومرَّ يوم و اثنان و ثلاث وما جاء الرّد
فقرر أن يذهب ليعرف بنفسه ، و في طريقه قابلها فسألها ،،،
فإذا بوجهها يعلوه حزنٌ يذبح القلب
ما بك يا شيماء ؟ هل حدث مكروه ؟
نظرت بعين دامعة وقالت ، لو أن الأمر بيدي لأمضيت عمري كله معك ، فما عرف قلبي طريق الحب إلا لك ، كبرت و صورتك لم تفارق خيالي منذ أن أعطيتني تلك الرسالة و أنا في طريقي الى المدرسة ، كلما تذكرتك عدت اقرأ الرسالة مجددا .
فارس : ماذا هناك إذاً ، أخبريني أنت و لا تذبحيني بالصمت ، لِمَ لمْ يتم الموافقة على الزواج ؟
قال لها أريد أن تخبريني الحقيقة ما سبب عدم الرد ، رغم أنك قلت أنك تحبينني ، و بجهود مضنية استطعنا إقناع العائلة ، صمتت شيماء طويلا و هي تبكي ، و تلعثمت في الحديث و كانت تأتأة غير مفهومة ، كلما سألها عن السبب انهارت بالبكاء ، و احمر وجهها ، ثم قالت بصوت مخنوق ” انت انسان نبيل و طيب و تستحق أحسن مني ”
قال لها : طيب ليه ؟ إيه اللي غيرك ؟ إيه السبب أرجوكِ ؟ هو في واحد بحياتك ؟ صدقيني لو في بحياتك رجل آخر انا انسحب ، رغم أن هذا مثل خنجر في قلبي ، أنا أحببتك منذ سنين و ما استطعت أن أنساك أبدا .
قالت له : أنا بحالة صعبة الآن و لست قادرة على الكلام ، بعد اذنك ممكن تأجيل الكلام للغد ، أكون قد ارتحت قليلا .
قال لها : حاضر كما تريدين ، سلام عليكم ، انتبهي لنفسك .
في تلك الليلة عيناه لم تريا النوم أبدا ، أخذ يفكر طوال الليل و يعد الساعات إلى أن طلعت الشمس ما الأمر الذي تخفيه شيماء ؟
أما شيماء باتت و قلبها يتقطع و لكن ، يجب أن تخبره بالحقيقة قبل الارتباط .
في الصباح حضر إليها متلهفا ليعرف السبب ، فقالت له شيماء : ترددت كثيرا و لكن ، لقد حصلت معي حادثة أثناء ركوبي الدراجة ، نقلت على إثرها إلى المستشفى ، كان عمري خمس عشرة سنة ، وبعد الفحص تبين أنني فقدت عذريتي في تلك الحادثة ، أقسم أنني أحببتك منذ الصغر و لم يدخل قلبي غيرك و لم يمسسني أحد .
أما و قد عرفت الحقيقة فلك القرار في الاختيار .
كانت كلماتها كالصاعقة على مسامعه ، هل يخبر والده بذلك ، هل يتركها وينسى الحب ؟ و لكن ما ذنبها ؟ كان فيض من الأفكار ما بين الحب والرفض و الشفقة على ما حدث لها ،فقرر ،،،
في الصباح أن أذهب الى شيماء والتأكد من الحادثة وسؤال والدتها عن ذلك ، واي طبيب توجهت له حينها .
ذهب فارس إلى بيت شيماء و طلب الاوراق الطبية في يوم الحادث ، ثم ذهب إلى عيادة الطبيب والذي بدوره أقنع فارس بأن الأمر طبيعي وذلك كان حادثا عرضيا ، وإن كان الحب يملا قلبه لشيماء فلا تكون هذه الحادثة سببا للفراق .
عاد فارس إلى البيت و طلب من والده الذهاب الى بيت شيماء و تحديد موعد الزواج ، ما أن ذهبت (الجاهة ) وتمت قراءة الفاتحة إلا و صوت الزغاريد يملأ الحي فرحا وبهجة ، و سرعان ما تم الزواج و جمعهما بيت واحد في ظل فرحة غامرة .
Discussion about this post